شَعر متساقط

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أرَ في حياتي مثلاً ينتقص من استقلالية المرأة وقَدْرها، ويُغرقها في تبعيّتها للرجل، أكثر من ذلك المثل الشهير الذي تتداوله وتفتخر به النساء أكثر من الرجال، ويردده الرجال مواساة وتكفيراً عن قمعهم المرئي والمخفي المستدام للنساء في العمل، والشارع والمنزل، إنه المثل القائل «وراء كل رجل عظيم امرأة»، وكأن دور المرأة الرئيس والأهم، هو أن تحقق للرجل نجاحه وعظمته ومكانته، أما أن تكون هي عظيمة..

فتلك مسألة فيها نظر وشك. إن تقييد عظمة المرأة وحصرها تحت مظلة الرجل، فتكون حريتها بأن تكون فقط نسّاجة ماهرة لعباءة الرجل في يوم تكريم عظمته، فذلك لها سجن فسيح بنوافذ ضيقة، بالكاد تبصر النور، وإن أبصرته ترى مهابة الرجل العظيم.

هذا قدر المرأة، ألا يفهمها الرجل، حتى وإن كانت وراء عظمته، فيتحول دورها من شريكة إلى موظفة مؤداها إرضاء الرجل وإمتاعه وتوفير مقومات نجاحه، وإن تم الاعتراف بفضائلها، فلا يحدث إلا من خلال سرد شمائل الرجل التي يغدق بعضها عليها، وأهمها أن يزيد فسحتها بفتح بعض من نوافذ سجنها الفسيح وفرص الحياة المحدودة.

ثمة إشكالية بين موازين التفاعل والتأثير بين الرجل والمرأة، والتي ينتج عنها كيمياء العلاقة التفاعلية بينهما، وأي إشكالية أو علاقة بين أي طرفين، غالباً ما يكون للطرف الأضعف القدرة في استيعاب المشكلة وتدبيرها، إذ إن صاحب السطوة والسلطة غالباً ما تأخذه العزة بالإثم، وتمنحه الاستغناء وتحمل الخسارة، حتى العاطفية منها، فلا يأبه بالتواصل العميق والتعرف إلى هموم الآخر..

فكيف لا، ولديه القدرة على المناورة، وحتى الاستغناء والتخلي عن الطرف الأضعف، خصوصاً إذا كانت الحالة بين رجل متسلّط، وامرأة تمت تربيتها على الانقياد للرجل وطاعته دون اعتراض.

وقد استطاعت المرأة العربية تحديداً على مدار سنوات عمرها، أن تُنمّي مهاراتها لإدارة سجنها الفسيح، علّها تجد منفذاً لعالمها المستقل المنشود. وأتاح هذا التقدم التقني والمعرفي والتطور الاقتصادي والتعليمي والمهني، الفرصة السانحة للمرأة أن تمزق هذه القضبان، وتوسع هذه المنافذ، لتدخل إليها شمسها الخاصة بها، وضوؤها الذي تُحلّق في مداه.

كلنا نتشدق بنبرات الصوت المتعالية وبأقوى الكلمات جزالة، وبأكثر الجمل تعبيراً واستعارة حول أهمية المرأة في حياة الرجل، ولكن قلّما نجد موضوعاً أو دراسة أو حتى ندوة تتناول أهمية الرجل في حياة المرأة، وهذه أحد أشد المؤشرات الاجتماعية قسوة على المرأة وظلماً لها، حتى إن الشعراء يتحدثون على أهمية المرأة في حياة الرجل، وقدرتها الخارقة على جعله رجلاً سعيداً، فهو مركز المسألة والعلاقة..

ومركز الكون الذكوري، وفي فلكه تدور النساء، لتعلن له بشكل جماعي، الطاعة، وتقرّ له بأنه المركز الجاذب والمحرك والآمن. وبدونه تتوه المرأة، ولا يمكن أن تقوم بعمل استثنائي في حياتها، وإن قامت، فبعظمته كرجل، وبإلهامه كنجم ساطع، يجعل عملها استثنائياً وعظيماً.

لا يمكن للرجل العظيم أن يكون عظيماً، إذا لم يفهم المرأة في أبسط أمورها التي تشكل تفاعلهما الخيط الرفيع الذي ينسجانه معاً، خيطاً فخيطاً، لتكون عباءة الشراكة بينها كحديقة لفضائها المفتوح بلا قضبان أو نوافذ ضيقة. قالت لي إحدى الصديقات..

وهي امرأة عانت ما عانت من الرجل الشرقي: عندما يدرك الرجل لماذا تبكي المرأة على شعرها الذي يتساقط بغزارة كل صباح، دون أن تجد حلاً دوائياً سوى الحب والاهتمام من الرجل، وعندما يدرك الرجل أن وجوده الحي والحيوي في حياة المرأة، يقهر كل المهدئات النفسية، وعندما يدرك أهمية أن تجد المرأة منفذ عمل يبلور شخصيتها المهنية، ويتوحد مع همومها لأجلهما، وليس لأجله فقط، فيساندها ويدعمها، ويأخذ بيدها في كل شؤون الحياة، ابتداء من غسل الصحون بعد كل وجبة..

ومرافقتها وهي الحامل في الشهر التاسع إلى مقعد دراستها الجامعية، ويضحكها كل مساء، حينها فقط، يكون الرجل عظيماً في حياة امرأة عظيمة، فأن تكون عظيماً في منزلك، أفضل ألف مرة أن تكون عظيماً على منصات الخطابة، حيث آلاف المصفقين، وأفضل أن تكون نجماً منظراً في الملتقيات الفكرية التي تناقش أهمية المرأة في حياة الرجل.

وهذا أحدهم يعود إلى بيته بعد طرح أفكاره ونظرياته في علم الاجتماع، فيأكل بسرعة ويذهب إلى قيلولته، وفي المساء، يشاهد التلفاز، فإما نشرة الأخبار أو سلسلة مباريات الدوري الإسباني أو الإنجليزي. وها هي المرأة في البيت تسأله عن رغبته بأن يأكل هذه الليلة أشهى الأكلات، وعن الطبق الذي تطهوه له يوم غد، ولا تنام حتى ينام «سي السيد»..

ولكنها تستيقظ في صباح اليوم وتنظر في ذات المرآة التي تفحصت وجهها وشعرها على مر سنين الارتباط به، ويزداد وجهها شحوباً، وشعرها تساقطاً، فتضع ذات الدواء الذي لم يعالجها منذ سنوات، فأي دواء ذلك الذي يمكن أن يعالج آثار انهيار علاقات الشراكة المصيرية بين اثنين، إذا كان الرجل في حياة المرأة غائباً، لا يرى سوى نفسه مركزاً للكون، وغيرها مجرد علامات لتحديد مسافات العظمة التي يصلها.

 

Email