الولايات المتحدة بين ساحتين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخص باراك أوباما، سوريا، بسياسة لا يطبق ما يماثلها في العراق، تدور حول فكرتين خاطئتين، ترى أولاهما، أن سقوط النظام الأسدي سيعني سيطرة «داعش» على السلطة في دمشق، حيث ستقيم نظامها الإرهابي. وتقول ثانيتهما: إن رحيل الأسد ونظامه سيفضي إلى نشر الاقتتال بين التنظيمات الإرهابية في عموم سوريا، وسيهدد الأمن الدولي.

قررت واشنطن استخدام القوة لمنع «داعش» من أخذ السلطة في العراق، وأقامت تحالفاً دولياً واسعاً لبلوغ هذا الهدف، وعبأت قوى غربية، وفي العالمين العربي والإسلامي، لاحتواء التنظيم الإرهابي، ثم القضاء عليه، تطبيقاً لخطة وضعتها إدارة أوباما وأعلنها هو نفسه، تعاونت في تنفيذها مع إيران، ومنحتها حق التدخل العسكري المفتوح في القتال البري الدائر هناك، بينما تولت هي شن حرب جوية ضد «داعش»، زادتها فاعلية وكثافة بمرور الوقت، وأرسلت قرابة ستة آلاف فرد من جيشها لمنع سقوط بغداد وأربيل، ولتدريب وحدات محلية على القتال، دون أن تكترث كثيراً للانهيارات المتلاحقة في الجيش العراقي.

إذا قارنا سياسات إدارة واشنطن العراقية بمثيلتها السورية، وجدنا الوقائع التالية: ليس «داعش» السوري قابلاً للفصل عن «داعش» العراقي أو أقوى منه، بل هو فرع منه تابع له. رغم ذلك، تبني واشنطن موقفها من سوريا على فرضية واهية، ترى أن سقوط النظام الأسدي سيفضي حتماً إلى سقوط سوريا بيد «داعش»، كأنها تبلغنا عزمها ردع الأصل وحده، دون الفرع، ومنع القوي من أخذ السلطة بالقوة، والسماح للضعيف بالاستيلاء عليه دون مقاومة، وأن ما تطبقه في العراق لا ينطبق على سوريا.

ـ قاتلت قوى من الجيش الحر، «داعش»، بفاعلية كبيرة، وطردته من 80 % من الأراضي التي كان قد احتلها في بلادنا، في حين سلمه الجيش العراقي ثلث بلاده. رغم ذلك، تحجب واشنطن وترغم غيرها على حجب السلاح الحديث والمضاد للطائرات عن الجيش الحر، بحجة الحؤول دون سقوطه بيد الإرهابيين، وعدم وجود معتدلين يستحقون دعمها، بينما تتدفق جميع أنواع أسلحتها الحديثة على جيش العراق، الذي لا رغبة لديه في القتال ضد الإرهاب.

ليس الجيش الحر طائفياً، ولا يقاتل دفاعاً عن طائفة أو ملة، بل يريد إقامة نظام ديمقراطي بديل للنظام الأسدي. بالمقابل، يحمي الحشد الشعبي وتوابعه في الجيش الرسمي، نظاماً طائفياً ينضوي في خطط وبرامج إيران. مع هذا، تبحث أميركا عن معتدلين في سوريا، فلا تجدهم، وترى في غلاة الطائفية العراقيين، جهة يجب دعمها بالسلاح، حتى إن سقط في يد الإرهاب الداعشي، أو كان حملته عازفين عن مقاتلته.

تدخل إيران في سوريا، ليس أقل من تدخلها في العراق، الفارق بينهما، أن الشعب السوري يرفض نظامها وسياساتها، وأن الجيش الحر ليس على علاقة معها، بل يقاتلها، بينما يقبلها قسم وازن من أهل العراق، ويقاتل مسلحوه إلى جانبها، أو بإمرة ضباطها، فلو كانت أميركا ضد سيطرتها وهيمنتها على جيرانها، لدعمت السوريين لا العراقيين، ولعملت لإخراجها من سوريا بدل القبول بحضورها العسكري والسياسي فيها.

نفهم تدخل واشنطن المباشر في العراق، بظروفه الخطيرة، وانهيارات جيشه وطائفية حكامه، واحتلال إيران لإرادته بجيشها، وإحجامها عن فعل أي شيء يحول دون إطالة الصراع في سوريا، حيث توجد ظروف أكثر ملائمة لحل يحققه أبناؤها بتضحياتهم وحدها، دون تدخل خارجي، ولم تخدم إطالة الصراع أحداً غير الإرهابيين، الذين تحاربهم أميركا في العراق، وتترك البلاد والعباد لهم في سوريا؟.

Email