أحزاب بلا دور

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد الحديث عن الأحزاب السياسية في مصر جذاباً لأي محلل سياسي لكثرة ما كتب عنها وعن أسباب ضعفها، ولكن ورغم ذلك فإننا إزاء حالة تبدو متناقضة، فمن ناحية تصدرت أخبار التحالفات الحزبية استعداداً للانتخابات البرلمانية وسائل الإعلام المختلفة..

وهو ما يجعلها تفرض نفسها على التحليلات السياسية، ومن ناحية أخرى فهناك نص دستوري يعطي للأحزاب أهمية خاصة في اختيار أي حكومة مقبلة، حيث أشركها مع رئيس الجمهورية من خلال الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي يحصل على الأغلبية في اختيار رئيس الحكومة وغالبية أعضائها.

إن سبب هذا التناقض يرجع إلى أن هذه الحركة الظاهرية والاجتماعات المكثفة والمفاوضات والمباحثات المصاحبة لها لتكوين تحالفات حزبية انتخابية، فضلاً عن الأهمية النظرية التي يعطيها الدستور لدور الأحزاب في الفترة المقبلة، لا تتوافق مع واقع هذه الأحزاب الفعلي من حيث حجمها أو جماهيريتها أو تأثيرها أو وضوح رؤيتها بشأن توجهاتها في السياسات العامة الداخلية والخارجية.

فهناك بعض الأحزاب التي تمتلك تراثاً تاريخياً (مثل الوفد) وتلك التي تشكلت حديثاً وتعتبر كبيرة اسماً أو إعلامياً (مثل الدستور، المصريين الأحرار، الديمقراطي الاجتماعي والمؤتمر)، والغالبية الباقية من الأحزاب والتي يتجاوز عددها الثمانين حزباً هي غير معروفة للخاصة والعامة ويتساوى وجودها مع عدم وجودها.

بالتالي، فإن فتح الباب واسعاً بعد ثورة 25 يناير بتشكيل الأحزاب بالإخطار لم يحل المشكلة، بل على العكس أدى إلى كثرة عددية بلا مضمون أو فعالية حقيقية..

إذ تأسست معظم هذه الأحزاب الجديدة على بعض الرؤى الفردية المرتبطة بأشخاص بعينهم أكثر من قيامها على أساس اتجاه أو فكر سياسي أو قاعدة اجتماعية تعبر عنها، فظهرت أحزاب الأشخاص حتى أصبحت ظاهرة لتضاف إلى مثيلتها التي عرفت قديماً بالأحزاب الكرتونية أو الورقية، والتي لم يكن لها سوى دور تجميلي في إطار تعددية حزبية زائفة.

إذن سواء وُضعت قيود على إنشاء الأحزاب أو رُفعت تلك القيود، فنحن إزاء نتيجة واحدة وهي أحزاب مدنية ضعيفة، ولذلك كان الوجه المقابل لهذا الواقع هو صعود ما عرف بالأحزاب الدينية التي كانت تستخدم الدعاية والخطاب الديني لتزييف الوعي والحصول على مكاسب سياسية..

وهو ما أوصلنا إلى حكم جماعة الإخوان وصعود معها تلك النوعية من الأحزاب المرتبطة بإطارها الأيديولوجي نفسه، وسيطرتها على برلمان 2012. والسؤال هو هل تغير المشهد الحزبي الآن بعد ثورة 30 يونيو ورحيل الإخوان؟

الإجابة تبدو واضحة، فالمشهد لم يتغير كثيراً وما زالت محاولات عقد التحالفات بين الأحزاب متعثرة، بل إن كثيراً ما تتوقف على خلفية الانقسامات والصراعات الكامنة والظاهرة. ويُرجع البعض هذا التعثر إلى غياب ثقافة التحالفات الحزبية في الممارسة السياسية المصرية، وهو أمر صحيح في جانب منه ..

ولكنه ليس السبب الوحيد، فهناك أسباب أخرى لا يمكن تجاهلها، أولها أنه كانت هناك رغبة في أن يتم جمع الأحزاب المدنية كلها تحت مظلة واحدة، وهو أمر غير واقعي يصعب تحقيقه من الناحية العملية، لأنه لو كان ذلك ممكناً لكنا إزاء حزب واحد كبير، أو تنظيم سياسي واحد على غرار الاتحاد الاشتراكي، إذن هذا منطق يناقض فكرة التعددية الحزبية ويفترض مسبقاً أنه لا خلاف في توجهاتها السياسية والفكرية.

وثاني هذه الأسباب يتعلق بالخلاف حول نصيب كل حزب من المقاعد البرلمانية وفقاً لتشكيل القوائم الانتخابية التي يسميها البعض «المحاصصة». وهو أمر غير مستغرب، فكل حزب يسعى للحصول على الحصة الأكبر، لكن المشكلة الحقيقية أن أغلب الأحزاب لم تُختبر لمعرفة وزنها الحقيقي من خلال خوض كل حزب للانتخابات بمفرده، ومن دون تقدير لهذه الأوزان النسبية، فلا يمكن أن تنجح أي مفاوضات.

وأخيراً، يأتي السبب الأهم ويتمثل في غياب أرضية سياسية مشتركة يتوافق عليها الجميع. صحيح أنه تم طرح وثيقة أو إطار للمبادئ العامة تقوم على أساسها التحالفات بين الأحزاب، إلا أن هذا بدا مثالياً أو لم يكن كافياً لجمع الأحزاب الداخلة في مفاوضات.

 

Email