فى انتظار الأزهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجديد الخطاب الديني عبارة تتردد كثيراً من دون أن يكون لها معنى محدد أو معيار تقاس عليه، بل أضحت كغيرها من الشعارات التي نرفعها ونتحدث عنها وكأننا أنجزناها على أرض الواقع. علينا أن نسأل سؤالاً منطقياً حول طبيعة الثقافة التي سمحت لتلك الأفكار أن تنمو وتنتشر لأنها لا بد أن تكون ثقافة مأزومة تعاني من أوجه قصور جوهرية، وإلا لما أفضت إلى ما نحن عليه الآن.

صحيح أن الفكر الإسلامي عرف عصوراً من الازدهار يؤرخ لها من القرن التاسع إلى الثاني عشر تقريباً إلا أن ما تركته من إسهامات كبرى لم يقدر لها أن تتحول إلى تيار عام سائد وبالمنطق نفسه كانت هناك نهضة أخرى في العصر الحديث امتدت من القرن التاسع عشر مع ميلاد الدولة الحديثة في مصر إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ولكنها بدورها لم تستكمل، أي أننا في الواقع نتحدث عن فترات متقطعة من التحديث والتنوير.

لهذه الاعتبارات أثير الحديث مجدداً عن تجديد الخطاب الديني لعله يسهم في استعادة نهضة مفقودة، واتجهت الأنظار نحو الأزهر تحديداً تلك المؤسسة الدينية العريقة التي يمتد عمرها إلى أكثر من ألف عام والتي تزامن بناء جامعها (الجامع الأزهر) مع تأسيس القاهرة عاصمة لمصر في ستينيات القرن العاشر.

تاريخياً عرف الأزهر شيوخاً أجلاء مجددين، سواء ممن تولوا المشيخة أو ضمتهم هيئة كبار علمائه وبعضهم تلقى تعليماً بالخارج، وفى السوربون أرفع الجامعات الفرنسية مثلما هو وضع الإمام الأكبر الحالي د.أحمد الطيب ممن انتصروا للعقل والاجتهاد، وكان في مقدمتهم الشيخ محمد عبده أبرز رموز التطوير والذي تولى منصب مفتى الديار المصرية لست سنوات حتى رحيله..

وقد أسس لمدرسة فكرية إصلاحية لم يمح أثرها حتى وقتنا الراهن. كانت هناك أسماء كثيرة مثل الشيوخ حسن العطار ومصطفى عبد الرازق أستاذ ومجدد الفلسفة الإسلامية، وعبد المتعال الصعيدي صاحب كتاب تاريخ الإصلاح في الأزهر، ومحمد مصطفى المراغي..

ومحمود شلتوت، الذي رثاه العقاد في مقال نشر بجريدة الأخبار(18 ديسمبر 1963) بعنوان «إمام التوفيق والتقريب»، وغيرهم كثيرون، وربما السؤال الذي سيتبادر لأذهاننا هو أين موقع هذه المساهمات الفكرية مما تشهده الثقافة الإسلامية الآن ولماذا لم يحدث التراكم المعرفي؟ وكيف مضى التاريخ؟

ولا يمكن إجابة هذه الأسئلة من دون الاعتراف بأن هذا لم يكن هو كل التاريخ، فالفكر الإسلامي مثلما شهد قديماً عصور ازدهار فقد شهد نقيضها أيضاً مما تعرف بعصور الاضمحلال والتدهور والتزمّت..

وقد ولت الأولى وبقيت الثانية ليكون تراثها هو ما تعتمد عليه الجماعات المتطرفة حالياً وأن الأزهر مثلما خاض معارك فكرية من أجل الإصلاح فقد دخل أخرى في عكس الاتجاه، وربما كانت أشهرها تلك التي وقعت مع طه حسين أهم مفكري مصر الليبراليين والجامع للثقافتين الغربية والإسلامية خريج الأزهر من قبل السوربون..

وكما هو مؤلف «في الشعر الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر» فهو أيضاً «على هامش السيرة» و«الوعد الحق» و«الشيخان» و«مرآة الإسلام» و«الفتنة الكبرى»، ولم يكن طه حسين سوى رمز لتيار فكرى واسع وقف أمام الجمود وإغلاق باب الاجتهاد، مطالباً بتوسيع قاعدة الإصلاح، ضم الشيخ علي عبد الرازق وعمله الشهير «الإسلام وأصول الحكم»..

إلا أن ما أثير ضده وضد كل من سار على نهجه لاحقاً وحتى اليوم أدى إلى العودة للمربع رقم واحد بمعنى العودة لمناقشة قضايا القرن الماضي وكأن اجتهاداً لم يحدث ولا تطويراً جرى، وتكفي نظرة سريعة على الإعلام الذي حل كثير من مشايخ الأزهر ضيوفاً عليه للتدليل على أننا لم نتقدم خطوة إلى الأمام، الموضوعات نفسها بالمعالجة نفسها فالجانب الأكبر من النقاش موجه إما للدفاع عن صورة الإسلام في الغرب...

وإما الاعتراض على بعض الأعمال الإبداعية من أفلام وكتب وروايات أو التصدي للفكر الشيعي وغيرها من موضوعات مشابهة، وما كان من المنتظر أن تكون لهذه القضايا الأولوية في ظل الظروف الاستثنائية، التي نمر بها خاصة أن أعداء الإسلام أصبحوا من داخله، ويتزايدون مع كل فكر متطرف ينشرونه أو جرائم قتل يرتكبونها باسم الدين. تنقية ومراجعة كتب التراث وعلم الحديث التي يعتمد عليها هؤلاء..

والتي بقيت على حالها كانت الأولى بالاجتهاد وخوض معارك فكرية بصددها حتى لا ندور في حلقة مفرغة. لقد اعتقد عبد الناصر في الستينيات أن إصلاح الأزهر يعنى إعادة تنظيمه بحيث ينشئ جامعات علمية تجمع بين علوم الدين والعلوم الإنسانية الحديثة .

وهو ما حدث ولم يؤد إلى تطوير يذكر بل ربما أثر سلباً على مستوى الإجادة في الحالتين وأتى على الدور الثقافي الذي كان على الأزهر أن يؤديه للأجيال القادمة، وزاد الأمر منذ السبعينيات بالتوسع الكبير في المعاهد الأزهرية التي لم يكن من الممكن أن يتوفر لها الأعداد الضخمة من الدعاة، فاستغلتها التيارات السياسية الإسلامية كونها منابر لها. ولا شك في أن هذا النوع من الإصلاح ليس هو ما نحتاج إليه اليوم!

 

Email