تحديات أمام الأمن القومي الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابه «القوة الناعمة وسيلة النجاح في عالم السياسة» الصادر عام 2004 يذكر جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية والعميد السابق لمدرسة جون كينيدي في جامعة هارفارد بأنه «منذ عصر الإمبراطورية الرومانية لم تظهر في العالم قوة تضاهي قوة الولايات المتحدة» ويضيف «إن الولايات المتحدة كما كان حال الإمبراطورية الرومانية ليست قوة لا تقهر وليست قوة غير معرضة للخطر».

إن عدم وجود قوة عظمى تهدد أمن الولايات المتحدة لا يعني مناعتها ضد التداعي، ولنا أن نتساءل في هذا السياق عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي وتقييم الأخطار المحيقة بأمن الولايات المتحدة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية على الأمدين القريب والبعيد.

 إذ ليس هناك شك بأن المختصين بهذا الشأن لم يألوا جهدا في التعرف على مختلف النظريات حول دينامية التطور وصعود الإمبراطوريات وهرمها واندحارها.

المقصود هنا بالمخاطر هو ما يسبب تراجعا في دور الولايات المتحدة القيادي في العالم ويؤثر على تفوقها العلمي والتكنولوجي والعسكري والاقتصادي ويتسبب في اهتزاز مكانتها. في هذا السياق يتم تداول عدد من العناوين كأخطار محتملة منها التغيرات المناخية أو الهجمات الإلكترونية أو العمليات الإرهابية.

المرجح بين هذه المخاطر هي الهجمات التي تتعرض لها الولايات المتحدة سواء كانت هذه الهجمات إلكترونية أو إرهابية فهي ما سيقضم تدريجيا النفوذ الذي تتمتع به إن لم تجد من الوسائل ما يقيها ذلك، أما ما يتعلق بالمخاطر التي قد تنجم عن التغيرات المناخية فهي غير قادرة وحدها على منع حدوثها.

هناك نوعان من الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها الولايات المتحدة أولهما استهداف نظم التحكم والسيطرة في المواقع الحيوية بغية التخريب وإحداث الفوضى وإلحاق الخسائر الاقتصادية، وثانيهما استهداف البيانات الاقتصادية في قطاعات المال وتكنولوجيا المعلومات والطيران وغيرها بغية توفير فرص أفضل للشركات المنافسة أمام الشركات الأميركية.

هذه الهجمات ليست جديدة وليست بالضرورة من جهات معادية بل من حلفائها كذلك ولم يخف بعض المسؤولين الأميركيين أن أصابع الاتهام تتجه نحو روسيا والصين وفرنسا وإسرائيل على الرغم من عدم وجود دليل مادي على ذلك كما نشرت صحيفة الواشنطن بوست.

ولأجل التقليل من مخاطر الاختراقات الإلكترونية تضطر الولايات المتحدة بين الحين والحين لزيادة المبالغ المخصصة لتقوية دفاعات الفضاء الرقمي الخاص بمؤسساتها الحيوية. هذا إلى جانب أن هذه الهجمات قد أضعفت روابط الولايات المتحدة بحلفائها خاصة بعد نشر وثائق تشير إلى قيامها بالتجسس على الهاتف الشخصي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أو ما نشر مؤخرا عن قيامها بالتجسس على ثلاثة رؤساء فرنسيين.

على الجانب الآخر سيطرت المخاوف على الأميركيين من المنظمات الإرهابية لسنوات عديدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر غير أن تلك المخاوف تراجعت بعد مرور سنوات دون حصول حوادث كبيرة تعيد للأذهان صورة الإرهاب المخيفة. إلا أنها عادت من جديد وبقوة هذه المرة منذ ظهور تنظيم داعش الذي أزاح تنظيم القاعدة من الواجهة ليفرض وجوده في عدد من الدول في أكثر من قارة.

فقد بدأت الهجمات الإرهابية البشعة لهذا التنظيم تضفي أجواء الرعب في العالم أجمع، وخاصة لدى الغرب الذي غُرست فيه لأمد طويل مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وثقافة اللاعنف التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من وعي مواطنيه. وبدأت وفقا لذلك تستنزف الكثير من موارده المالية والعسكرية والاستخبارية خاصة الأميركية التي تقود الحرب على الإرهاب..

ومن المتوقع أن تستنزف المزيد خاصة أن هذه الحرب، كما يبدو، ليس لها سقف زمني. على صعيد آخر ذا طابع داخلي تجد الإدارة الأميركية نفسها في حربها هذه في وضع لا يتفق مع احترام ما يضمنه الدستور للمواطن الأميركي من حقوق حين تلجأ لأساليب في جمع المعلومات الاستخبارية تتجاوز فيها على ما لهذا المواطن من خصوصيات.

 

Email