أميركا و«الإخوان» وبداية التقسيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجدد الحديث مرة أخرى حول علاقة أميركا بالإخوان، بمناسبة الإعلان عن زيارة وفد من «الجماعة» إلى واشنطن، واعتراض الحكومة المصرية صراحة على مثل هذه الخطوة، ما دعا واشنطن للتراجع عن استقبال الوفد، ولكن مع احتفاظها .

- كما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية- بالإبقاء على التواصل مع كل الأطياف السياسية، كجزء من سياستها العامة. وهو موقف مراوغ، يحمل التراجع وعدم التراجع في الوقت نفسه، طالما ستظل الجسور مفتوحة، سواء بشكل معلن أو غير معلن!.

والسؤال المنطقي هنا، هو: لماذا تُبقى أميركا على علاقتها بالإخوان، رغم ما تسببه لها من توتر في علاقاتها بالنظام الحالي في مصر؟ وهل هذه العلاقة تبدأ وتنتهي عند حدود الحالة المصرية، أم أن المسألة أوسع من ذلك، وترتبط بمجمل استراتيجيتها في الشرق الأوسط، والتي قد تحتفظ فيها للإخوان بدور محدد، ضمن أدوار أخرى توزعها على الأطراف المختلفة، لتوجيههم في النهاية الوجهة التي تريدها؟.

ليس مهماً للإجابة عن هذه الأسئلة، الرجوع إلى الوثائق التاريخية لإثبات حقيقة العلاقة القديمة التي تربط الإخوان بالولايات المتحدة، أو تحديداً بجهاز مخابراتها.

فقد ظلت هذه العلاقة القديمة كامنة، حتى بدأت تتخذ أبعاداً أوسع وربما أخطر في زمن «الربيع العربي». ففي البداية، وجدت واشنطن في الإخوان بديلاً جاهزاً للأنظمة التي أسقطتها الثورات..

وتحديداً في مصر وتونس. إلا أن إرادة الشعبين سارت في طريق مغاير. ولكن لم يكن هذا هو الحال في دول أخرى عديدة، بدأ الإخوان يشكلون فيها جزءاً من معادلة القوى، وسط صراعات أهلية على السلطة والحكم، وهو ما يعني أن قابليتهم لـ «التوظيف» ضمن الاستراتيجية الأميركية ما زالت قائمة، والأسباب عديدة.

أولاً، أن هناك تفكيراً جدياً في دوائر صناعة القرار الأميركي لإعادة ترتيب أوضاع الشرق الأوسط، أو بعبارة أدق، رسم خريطة جديدة له غير تلك التي أسفرت عنها اتفاقيات سايكس بيكو. وأن هذه الخريطة الجديدة لن تعتمد فيها فقط على دول، وإنما سيدخل في تشكيلها جماعات وطوائف وأقليات، وغيرها من تجمعات سياسية مشابهة أو تنظيمات، وهو ما يُطلق عليه «الفاعلون الجدد»، أي الأطراف الأقل من الدولة.

ثانياً، أن أميركا تصنف الإخوان كجزء من المعسكر السني في مواجهة التوسع الشيعي، الذي تتزعمه إيران، وتسعى من خلاله لتدعيم نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، وكلها مناطق تشكل أهمية حيوية لمصالحها.

صحيح أنها توصلت أخيراً لاتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي، وأن هذا الاتفاق قد يضمن للأخيرة الاحتفاظ ببعض مناطق للنفوذ أو السيطرة، ولكن هذا لا يعنى أن هذه الصفقة هي مفتوحة أو مطلقة، فواشنطن ستظل حريصة على الإبقاء على توازن معين للقوى بين الجانبين السني والشيعي.

ثالثاً، وبنفس المنطق، فإن توظيفها للإخوان، قد يدخل ضمن استراتيجيتها لمواجهة التنظيمات السنية المسلحة، مثل القاعدة و«داعش» وجبهة النصرة، أو ما تسميها بالحرب على الإرهاب، ليس لأنها تعتبرهم بالفعل قوة معتدلة فكرياً وأيديولوجياً، ولكن لأنها تملك التحاور معهم، وبالتالي، فسيكونون الأقدر من وجهة النظر هذه على احتواء الأكثر عنفاً.

رابعاً، هو ما قد يتعلق ببداية وضع الخريطة الجديدة موضع التنفيذ، أي إعادة التقسيم. قد يبدو هذا السيناريو بعيداً للبعض، ولكن الواقع على الأرض يُنبئ بغير ذلك، خاصة في الدول التي تشهد صراعات حادة، دون إمكان للتوصل إلى تسويات سياسية تحافظ على وحدة الدولة ووجودها، والأزمة السورية هنا، ربما تكون نموذجاً لما قد يأتي.

وفى مثل هذا السيناريو، سيكون لكل طرف من الأطراف المحلية والإقليمية المرتبطة بها حصة، ولن تحتاج أميركا هنا للتدخل العسكري المكلف، إذ يكفى أن تمتنع عن التدخل المباشر، وأن يطول أمد الحروب، وأن يُنهك الجميع حتى يكون التقسيم هو الخيار المتبقي.

لهذه الأسباب، ستستمر أميركا في الإبقاء على تعاونها مع الإخوان، لأنهم جزء من كل، ولأن السيناريوهات الموضوعة للمنطقة هي أكبر من جميع الأطراف، وتستلزم، وفق رؤيتها، اللعب بجميع الأوراق، حتى وإن ناقض بعضها البعض. ولهذه الأسباب أيضاً، يصعب تصديق أن أميركا تراجعت عن موقفها، بمجرد إلغاء اجتماع كان مزمعاً عقده مع وفد إخواني.

 

Email