آليات النهضة وتحديث مصر المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخطاب حول تحديث وتقدم مصر كانت تشير إليه كأحد عوامل النهوض في الدولة وأجهزتها وسياساتها! الخطاب حول أسباب التأخر التاريخي، تقود أيضاً إليه! نعم إنه التعليم وتطوره هو أحد أبرز محركات التغير الاجتماعي والسياسي والثقافي أو التخلف.

الخطاب التاريخي حول مصر الحديثة والمعاصرة، في تناولها المجمل والقطاعي لأسباب خروج مصر من وهدة التخلف التاريخي في مراحل ما قبل وصول محمد علي إلى السلطة، كانت ولا تزال تشير إلى تخلف العملية التعليمية، واعتمادها على إعادة إنتاج العقل النقلي، والشفاهية وبعض الكتابية..

لأن الكتابة كانت حكراً على ذوي القدرة والإمكان للتأليف والتدوين، ولم تكن متاحة للعموم. كان التعليم الحرفي في إطار نظام الطوائف لديه أساليبه الموروثة في تكوين الحرفي في صناعة ما أو مهنة ما كالنحاسين، والنجارين.. الخ، تلك التي تساعدهم على العمل في إطارها.

مع تأسيس الدولة الحديث وبناء مؤسساتها وقوانينها كان تحديث التعليم هو أحد أهم المهام التي قام بها محمد علي ثم إسماعيل باشا، من خلال بناء المؤسسة العسكرية ونظام جديد للتعليم العسكري وصناعة السلاح، من ناحية أخرى مدرسة للطب، ثم كانت البعثات هي المدخل لتكوين نخبة جديدة ذات تعليم حديث ومتطور هي التي استطاعت أن تشكل نواة نخبة الدولة الحديثة.

مع تشكل الجامعات الحديثة، أصبح لدى مصر مصانع لإنتاج العقول القادرة على تحريك الدولة وأجهزتها، وتكوين نخبة مثقفة، وجماعة ثقافية «حداثية» على اطلاع على تطور المعارف في العلوم الاجتماعية، لاسيما في القانون والآداب، والفنون التشكيلية، والموسيقى..

والتي تطورت في إطار الصحف والمجلات الأسبوعية والشهرية، ثم الإذاعة وقبلها الأوبرا، على نحو أحدث نقلة نوعية في الثقافة المصرية والعربية، في إطار هجرة الشوام اللبنانيين وغيرهم ليكونوا جزءا من الفضاء الكوزموبوليتاني والعربي في المدن المصرية لاسيما حول القاهرة والإسكندرية.

كان التعليم أحد محركات تطور مصر شبه الليبرالية، ولكن أحد أخطر أزماته الممتدة تمثلت في ازدواجيات النظام التعليمي إلى ديني، وتعليم مدني حديث ـ إلى جانب التعليم العسكري الحديث-، والأخطر داخل النظام التعليمي الحديث ما بين التعليم الرسمي التابع للدولة والتعليم الأجنبي، الذي أحدث شروخاً في تكوين مخرجات النظام التعليمي كله..

وفى إعادة إنتاج التمايزات الاجتماعية بين خريجي كلا النظامين، وحظوظهم في هيكل الفرص، لاسيما بعد تدهور نظامنا التعليمي بدءاً من نهاية عقد الستينيات، حيث بدأ التراجع في تعليم اللغات الأجنبية في التعليم العام والجامعات، وتراجعت البعثات والمبعوثون لأوروبا والولايات المتحدة الأميركية، تحت تأثير بعض المشاعر الوطنية المتأججة، واستمر هذا التوجه في ظل التطورات السياسية في اعقاب هزيمة يونيو 1967، حتى أكتوبر 1973.

مذَّاك وإلى الآن، هناك تدهور متزايد ومفرط وخطير، ولم تستطع الدولة أن تواجه الاختلالات البنائية في النظام التعليمي وسياساته، ما بين اتساع قاعدة التعليم مع تدني محتوى المناهج، وعملية التنشئة التعليمية، والاعتماد على عقلية الحفظ والاستذكار والتلاوة، والميل إلى تقديم مواد سطحية ومبسطة وقديمة وتتنافى مع التطور في العلوم الاجتماعية والطبيعية، في ظل ابتسارات، وتقديم بعضها في إطار من التعليم التلقيني القائم على نفي العقل الناقد.

مليارات تنفقها الأسر المصرية سنويا على تعليم أبنائها من الباطن لأن المدرسين والمدرسات، وأساتذة الجامعات لا يؤدي غالبهم الأعمال المطلوبة منهم والذين يتقاضون أجورهم عليها، لصالح أدائها على نحو خاص لطلابهم، ولا ترى الدولة ولا المجتمع أن ذلك يشكل خطورة ما بعدها خطورة على نوعية التعليم والأداء وقيم العمل في البلاد على نحو أدى إلى كارثة قومية.

من هنا لابد من إعداد مؤتمر دولي حول تجارب التعليم الناجحة عالميا ثم إعداد دراسات حول مشكلات نظام تعليمي يهدر الإمكانات والطاقات الجيلية في مصر، وذلك كمدخل لمؤتمر محدود العدد لإعداد سياسة تعليمية جديدة لمصر، تكون مدخلاً للتنمية. التعليم أخطر من أن يترك للتربويين وبيروقراطيي وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي!

 

Email