سرجُ القصيدة المُذهب

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشاعر لا يحتاج إلى تكريم، لأنه صوت القلب النابض ولسان مشاعره الحية، وكذلك الفارس، فنُبل القصيدة والمقصد هما صنوهُ في ليل الجوى وخفق بنود قوافيه، على سرجها المُذهب يحيا ويعيش، يسامرُ الريح ويتلو حكاياته، لكن الأوسمة تختلف باختلاف الناس، كما أن الهدايا على مقدار مُهديها، فتكريم واختيار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، شخصية العام في جائزة الشيخ زايد للكتاب، يوم أمس، يؤكد أن هذا التكريم جاء من جائزة حملت اسم صانع مجد الوطن الأول إلى صانع مجدهِ الحديث.

الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ومحمد بن راشد، رعاه الله، وأمد في عمره، فارسان رائدان وشاعران مُفلقان، لهما مع الريادة والمجد حكاية، ولهما من المُشتركات الكثير، على سرج قافية »النبطي« المُذهبة لهما الكثير من المُساجلات والمُباسطات، ما يحيلُ لشفافية روحيهما، وهما رجلا الدولة العتيدان المُهابان في الحل والعقد، وقد ظلت البساطة ميسماً لكليهما، مع بُعد الرؤية والروية في الأمور والتأني والحكمة.

محمد بن راشد، كما قال في كتابه »ومضات من فكر« خريجُ مدرسة زايد وراشد، فقد صحب كبار الساسة والشخصيات في العالم وعايشهم عن قُرب، لكنه لم يُشاهد رجلاً أكثر بساطة ولا تواضعاً من زايد، ما شكل مدرسة فكرية وقيادية وإنسانية، وحتى أدبية أيضاً، هي نفسها المدرسة، وإن اختلف الزمن والعصر، التي يلهم من خلالها محمد بن راشد الآن أجيالاً كاملة في مختلف أنحاء العالم.

محمد بن راشد، في القصيدة يجد المُتنفس، وقد جرب نوعيها الفصيح والنبطي، فهو الشاعرُ والحاكم المثقفُ صاحب الرؤية الثقافية الشاملة والمُتكاملة، لذلك اختياره شخصية العام، شهادة، ضمن شهادات أخرى يعرفها القاصي والداني عن سعيهِ الدؤوب لخلق بيئة ثقافية مُتكاملة، يرسمها بحس الشاعر وحدس القائد وعقلية الإداري المُميز.

في شعره يكشفُ عن صلة عميقة بالموروث والرموز المحلية والعربية، ويلمس نبض الناس وهمومهم، وقد نشر مجموعة من الأعمال من ضمنها »قصائد من الصحراء« المترجمة للإنجليزية، والتي بقيت على قائمة أفضل المبيعات لسنوات عديدة، كما كتبت عن شعره العديد من الدراسات التي بيّنت ما ينطوي عليه من أصالة وخصوصية، من حيث التجربة والسياقات الدلالية للقصائد.

ونجد ذلك جلياً في معارضاته الشعرية مع فطاحل الشعراء، ومن ضمنها مُساجلاته مع »فزاع«، يغرفُ من اللغة الفصيحة، ومن المعجم القرآني الثري وقواميس الأوائل، كما في قصيدته »العاديات« التي نشرها مؤخراً، والتي عانقت فيها الكلمات نواصي الخير والعز والمنعة والجمال، فأثارت بنات الريح النقع وقدحت بشراراتها الحروف، مُعتقة، ورشيقة تجري ضبحاً على الأرض، ففَدَتْ الشاعر الفارس الخَيْل وَهْي مُسَوَّماتٌ، وطاب الشعرُ والتتويج على سرج القصيدة المُذهب.

Email