منطق «عاصفة الحزم»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار تشكيل تحالف «عاصفة الحزم» المكون اختيارياً من عشر دول، الحديث مجدداً عن الحاجة إلى وجود قوة عربية عسكرية مشتركة أو بعبارة أدق «موحدة»، تكون قادرة على حماية الأمن القومي العربي، وهو حديث زادت وتيرته أثناء انعقاد القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ. ولا شك أنه مطلب منطقي، فتحقيق المكانة والدور والنفوذ الإقليمي لا يتم دون كلفة أو قوة فعلية على الأرض تترجم الطموح إلى واقع.

لذلك فإن بناء أي نظام إقليمي على مستوى العالم يتطلب بالضرورة إلى جانب النواحي السياسية والاقتصادية ناحية عسكرية لا غنى عنها، وقد كان هذا هو الدافع وراء توقيع معاهدة الدفاع العربي المشترك في أوائل الخمسينيات. غير أنها لظروف كثيرة لم يُقدر لها أن تتحول إلى قوة عسكرية كبيرة وموحدة كما كان المأمول منها.

وإذا كانت هذه الفرضية تصلح في جميع الأوقات فإنها تصبح أكثر إلحاحاً في الظروف الاستثنائية، أي وقت اشتداد الأزمات والتهديدات التي يتعرض لها إقليم ما.

وهو ما ينطبق بلا جدال على النظام الإقليمي العربي الذي يشهد تحديات غير مسبوقة، إذ ليس هناك أخطر من احتمالات تفكك دوله وتحولها إلى دول فاشلة وربما تقسيمها، ناهيك عن تفشي ظاهرة الإرهاب وتفجر الصراعات الأهلية والمذهبية والطائفية، وهي عوامل فرضت كلها نمطاً جديداً من الحروب بخلاف تلك التقليدية التي كانت تدار بين جيوش نظامية محددة المعالم.

بل لم تعد هناك دولة لا تشهد نزاعات على حدودها، فضلاً عن تزايد مصادر التهديد لطرق الملاحة المائية ومنابع النفط والطاقة أي مصادر الثروة التي يتمتع بها الإقليم، وتعد في الوقت نفسه مطمعاً لكل دولة ساعية لتعزيز نفوذها على حساب دول أخرى، ولعل حالة اليمن التي استدعت تشكيل التحالف الحالي، تمثل نموذجاً جامعاً وعاكساً لكل تلك التهديدات في آن واحد.

ففيها الدور الإيراني التوسعي من خلال دعم انقلاب «الحوثيين» الذي يمثل تهديداً للأمن القومي للسعودية (حدودها المباشرة)، ولمصر بحكم التهديد المحتمل لباب المندب، أي البحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس، وفيها بالطبع حرب أهلية وتغيب عنها الدولة.

ولأن الحديث عن أي تسويات سياسية لا يتم إلا بعد استعادة توازن القوى (وهو مفقود حالياً)، فإن استخدام القوة العسكرية يكون مبرراً في مرحلة من مراحل الصراع، شأن منطق أي مفاوضات سلمية لا تتحقق إلا بعد حسم عسكري أو بالأحرى خلق واقع جديد على الأرض يحدد وزن الأطراف الداخلة في تسوية ما.

باختصار، فإن واقع المنطقة يشير إلى أهمية «القوة العربية المشتركة» هكذا كان الحال في الغرب الذي يمثل القوة العالمية الكبرى الآن، فهذه القوة تشكلت من خلال التحالف الوثيق الذي نشأ بين أوروبا والولايات المتحدة خلال الحربين العالميتين.

إن كل ما قيل يعطي مشروعية لفكرة إنشاء قوة عربية مشتركة، ولكن المشروعية لا تعني تلقائياً سهولة تنفيذها أو سرعة تحققها لأسباب عدة، أولها، أننا نتحدث عن إقليم في مرحلة إعادة تشكيل، أي هو خليط من خصائص نظام إقليمي عربي قديم وآخر شرق أوسطي بفعل الواقع، حيث تلعب دول غير عربية دوراً مؤثراً في مجريات الأمور وترتبط بتحالفات مع أخرى عربية أو تنظيمات وأحزاب بداخلها.

والسؤال البديهي هنا هو عن أي نظام إقليمي ستُعبر القوة العربية المشتركة؟ «عربي» أم «شرق أوسطي».

وثانيها، أنه لكي تتشكل مثل هذه القوة وتكون بمثابة حلف دفاعي، لابد أن تتفق جميع دول الإقليم على تعريف موحد للأمن القومي ولمصادر تهديده، ففي الماضي كانت فقط إسرائيل، الآن الحديث عن إيران وتركيا، حتى وإن اختلفت الدرجة، ولكن في جميع الأحوال لم تعد الأمور بنفس الوضوح التي كانت عليه من قبل.

وثالثها، يتعلق بطبيعة الأنظمة الحاكمة، والتي تحدد نمط تحالفاتها الإقليمية والدولية.

ولا يحتاج الأمر لتكرار الحديث عن مدى اختلافها وتباينها، فهل علاقة النظامين السوري والعراقي الوثيقة بإيران، تُقارن بعلاقات دول عربية أخرى بها على عداء كامل معها؟ الإقليم سيشهد صراعات طويلة قد تمتد لسنوات حتى يستقر وتصبح فكرة تكوين «قوة عربية مشتركة» قابلة للتحقيق.

وبالتالي فالحل الواقعي هو إقامة تحالفات على نطاق الدول صاحبة نفس المصلحة والتوجهات، تمتلك القدرة على التدخل السريع في الأزمات، وبالتالي تتمتع بمرونة عالية.

هذا هو منطق تشكيل «عاصفة الحزم»، وقبله كان «درع الجزيرة» بين دول مجلس التعاون الخليجي حماية للبحرين، وقبلهما كان تحالف حرب تحرير الكويت، وقبل كل ذلك كان تحالف حرب 1973، والذي بدوره لم يشمل جميع الدول العربية.

 

Email