فتش عن المرأة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل مصيبة أو طامة أو كارثة، طبيعية كانت أو اجتماعية أو سياسية أو حتى شخصية، يطلُّ علينا بعض الفلاسفة الأصدقاء فيتشدقون بتشخيص المشكلة وسببها بما لا يقبله المنطق، ولكن أشد ما يدهشني أن الكثير من هؤلاء يجد أن جذر المصائب في العالم هي المرأة باعتبارها الجوهر الطبيعي لأي إشكال، وهي أيضاً جوهر الحل «إن حسُن تدبيرها».

والغريب أن من يؤمن بهذا الرأي هما فئتان متناقضتان، لكنهما يتبعان نفس المنطق وآلية التفكير والتفسير، فالفئة الأولى داعمة للمرأة باعتبارها نصف المجتمع بل وغالبيته إذا اعتبرنا أن لدى المرأة القوة الخارقة في إيجاد الحلول بوصفها محور إدارة الشؤون التربوية في المجتمع، وأما الفئة الثانية فهي ضد المرأة باعتبارها الأنثى ناقصة العقل والفهم ولكنها تتمتع بالسلطة والقوة والدهاء والمكيدة والقدرة على خلق المشكلات والكوارث والآفات والفوضى.

وبين المرأة الحل والأنثى المشكلة، تظهر مقاربة تدعو إلى الضحك والسخرية، إذ إن أعداء المرأة ومناصروها اتفقوا على قدرتها في إنتاج الحلول وتنمية المجتمع، ومن جهة أخرى نبش المصائب وزرع الفتن.

فالفئة المتفائلة والداعمة تتحدث عن غياب المرأة وأثرها الكارثي على المجتمع، وأن المجتمع سيتغيّر لو أتيح لها أن تحضر وتأخذ دورها الحقيقي، وأما الفئة المتشائمة والمناهضة تتحدث عن حضور المرأة الطاغي وإساءة سلطتها وأثرها الكارثي على المجتمع. والغريب أن كلتا الفئتين قد نصبوا أنفسهم ليسوا فلاسفة قيّمين على تشريح عقل وجسد وسلوك المرأة، وإنما قضاة يحكمون عليها وقدرتها على صنع الكوارث ودرئها إن أرادت.

فقد أقروا أن المرأة هي السبب بحضورها أو غيابها، أي بمعنى أدق أنها المسؤولة عمّا يحدث في هذا العالم من كوارث ومنعها.

في الحقيقة، شخصياً سئمت معشر الرجال الذين يستنسخون منذ عقود نفس الفكرة والمقولة والحكم المسبق، فلا هم سمحوا للمرأة أن تتطور ولا هم أعفوها من مسؤولية التراجع الذي أصاب ويصيب المجتمعات العربية إلا القلة ممن حالفها الحظ، وأتساءل كيف لعقل الرجل العربي أن يستنسخ ذات الفكرة والمنطلق في التفكير والحكم على المرأة بذات المنطق والمعطيات من جيل إلى آخر دون تطوير بالرغم من تغيّر أنماط حياة الأفراد والمجتمعات، وتمدد هوامش الحرية الشخصية والمجتمعية بفعل التقدم المعرفي الذي أنتجه طوفان تكنولوجيا الإعلام والتواصل والاتصال القطري والأممي!!.

وحتى نفهم البعد المعرفي لهذه الازدواجية بين الفئتين وهذا المنطق المتناقض في جوهره والمتشابه في آلية التفكير، فلابد من طرح نموذج تفسيري يفسر حضور المرأة وغيابها وقدرتها على التأثير. وهو ما يفسر هذا العناد المجتمعي الذي يحركه الرجل العربي بالتحكم بالمرأة من جهة ولومها بأنها ذات قدرة هائلة في التخريب والتخلف.

وأتساءل كيف لهذه الأجيال من الفتية والشباب والرجال الأزواج ومن كبار السن الذين ترعاهم نساؤهم حتى الرمق الأخير، قد آمنوا فيما بينهم بعبارة «وراء كل مصيبة امرأة» وأن المرأة «فخ نصبته الطبيعة» على رأي نيتشه.

فهل هذا ما تشرّبته الأجيال، وهل هذا ما دربته الأم لأولادها. ولتسامحني الأم العربية وأولهن أمي وأختي الكبرى، إذ ككل العائلات العربية، تتشارك الأم والأخت في تربية الأولاد، فتكون الأخت الكبرى هي الأم الصغرى.

والأم هي المتضررة الأولى نتيجة الذكورة الطاغية في المجتمع، فمن السلطة الأبوية التي بسطت يدها على الزوجة وأفراد العائلة.. إلى السلطة الأمومية التي استنسخت سلطة الأب لتشكل الأب الصغير فمنحت الأخ السيطرة على أخواته حتى ولو كبرنه سناً وعلماً وإدراكاً وقمن بتربيته وهو صغير.

ومن هنا نشأت الفكرة وتناولتها الأجيال جيل بعد جيل، فمن أبٍ قويٍ وأم ضعيفة لابن مستقو وأخت مستضعفة. إنها سلسلة من الأدوار يصعب فكها في مجتمعات لا تولي المرأة الفرصة في التعليم وتبوؤ المراكز القيادية في المجتمع، ومنحها الفرصة بغض النظر عن واقعها الاجتماعي أكانت أم ولودة ، أرملة، مطلقة أو عزباء.

إنه التمكين المنهجي في السلوك والعقل الذي يسمح للمرأة بالاستقلالية وقطع هذا الحبل السلطوي غير المرئي الذي تتوارثه الأجيال من الذكور والإناث الضعيفة على الإناث الجديدة المستضعفة. عندها فقط ينشأ جيل من الرجال والنساء، جيل متمكن ومستقل ومدرك أن تكون فيه المرأة عاملاً أساسياً في النهضة كما الرجل، فالمسألة متكاملة بين كل مكونات كيمياء المجتمع.

 

Email