المرأة العربية ودوائر النسيان!

فى قلب عمليات التغير السياسي والاجتماعي العاصف والهادر بالعنف والإرهاب تطرح ولا تزال المشكلات الكبرى، والأزمات الممتدة والاحتقانات فى جسد الدولة العربية وهياكلها، ويمتد الجدل حول غالب القضايا الاجتماعية المزمنة، كالفقر وتهميش المعسورين، والتفاوت فى توزيع الدخل القومى على القطاعات الرئيسة فى التراكيب الاجتماعية، والخلل والتباين فى الإنفاق العام على جغرافيا الأقاليم التنموية..

كما فى المثال المصري لصالح القاهرة والإسكندرية ومحافظات الدلتا، مع تهميش محافظات الصعيد.. الخ وهكذا عشرات القضايا والمشكلات فى القطاعات الصحية، والتعليمية المتدهورة، وأزمات المدن المريفة، والإسكان .. الخ.. ونادرا ما تطرح واحدة من أهم قضايا السياسة والتنمية، وهو وضع المرأة المصرية والعربية فى إطار عمليات الانتقال السياسي العنيف، والتى تمس المرأة ومكانتها الاجتماعية والسياسية على الرغم من أنها أحد أبرز محركات التغيير والتحول الاجتماعي.

قامت المرأة المصرية والتونسية والسورية واليمنية بدور بارز فيما أطلق عليه مجازا بالربيع العربي، والذي تحول إلى خريف يعصف بالجغرافيا السياسية فى المنطقة، فى ظل انفجارات الإرهاب وجماعاته المسلحة والمتدثر بالأقنعة الدينية وتأويلاتها.

والتي تحاول بعض هذه الجماعات الإسلامية الراديكالية أن تؤسس سلطاتها الذكورية والسياسية والاجتماعية على جسد المرأة العربية من خلال فرض الهيمنة باسم التأويلات الفقهية والإيديولوجية المحافظة على المرأة والأسرة، وفي المجالين الخاص والعام معاً.

قامت المرأة –السيدات والفتيات- بدور بالغ الأهمية فى السعي إلى كسر القيود السياسية والأمنية والبيروقراطية على المجال العام السياسي فى مصر وتونس واليمن، من خلال حركتهن الجسورة الرامية للتحرر من الأغلال الذكورية فى الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل والدولة والنظم السياسية التسلطية..

وذلك من خلال الحركة النشطة على المجال العام الافتراضي/ الرقمي من خلال خطاب المدونات، ثم خطاب التغريدات على مواقع التفاعل الاجتماعى على تعددها، لاسيما الدور البارز الذي لعبته فتيات وسيدات «الطبقات الوسطى العليا»...

والوسطى- الوسطى، اللائي يمتلكن بعضا من رؤيا التحرر، من خلال التفاعل النشط مع ما يجري فى عالمهن الافتراضي الكوني من نظريات نسوية وما بعدها ومن استعاراتهن لهذه الأطر النظرية وتطبيقاتها على الواقع التاريخي للمرأة فى مجتمعات ودول جنوب العالم بعد شماله.

من هنا نستطيع القول إن دور بعض الطلائع النسائية الشابة فى الإطلالة على رؤى التحرر ما بعد النسوي فى التراث النظري والتطبيقي الغربي وفى شمال العالم، مدّ بعضهن بأدوات وأسلحة ومناهج للتحليل رائدة أضفت على أفكارهن ومقارباتهن ثراء وعمقاً سمح لهن بأن يطرحن روئ عميقة فى السياسة المصرية وفي بعض البلدان العربية كتونس والمغرب والجزائر.

من ثم قامت الطلائع الشابة من الفتيات العربيات المجيدات بدورهن فى تحريك الركود السياسي المصري فى ظل نظام مبارك، والتجريف الذي قام به لهن، وللكتلة الجيلية الشابة من الذكور أيضاً.

تمثل هذا الدور البارز فى قيامهن بإنتاج خطاب التغريدات وقبله خطاب المدونات النقدى الذي تبنى منظومات حقوق الإنسان.

أصبحت المرأة العربية منسية وحقوقها وأوضاعها متردية فى عديد البلدان على الرغم من ارتفاع نسب تعليمها الجامعي وثمة مشاكل تعليم وصحة وعوز لهن ولأطفالهن وجروح فى كرامتهن فى مناطق النزوح ، واعتمادهن على المعونات المحدودة، والأخطر أنهن الأكثر تعرضا للمخاطر والموت والإصابات بالجروح والأمراض القاتلة فى المناطق المضطربة

إن هذه الأوضاع الخطيرة تدهم المرأة العربية، بينما بعضهن على قلتهن حققن انجازات أكاديمية وعلمية بارزة، وأخريات يتصدرن المشهد السردي والروائي العربى باقتدار، وبعضهن يبدعن أبرز ملامح قصيدة النثر العربية ومع ذلك تبدو قضايا المرأة منسية فى أروقة النخب السياسية الفاشلة، وفى دهاليز الأحزاب الكرتونية التى غادرها الفكر الخلاق، والفعل السياسي والحركي المبدع.