من الإخوان إلى داعش!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحادث الإرهابى المروع الذي قام به داعش ضد الطيار الأردني بحرقه حياً، ليس سوى حلقة جديدة من سلسلة الأعمال الإرهابية التي يرتكبها هذا التنظيم، ولن يكون الأخير أيضاً. فـ «داعش» هو فقط الطبعة الأحدث للتنظيمات الإرهابية التي تُغلف عنفها بتفسيراتها الخاصة للنصوص الدينية، ويعد أبرز رموز الجيل الثالث لها.

فالجيل الأول المؤسس بدأ بجماعة الإخوان المسلمين التي أنشأها حسن البنا في أواخر العشرينيات (كجماعة سنية أصولية سلفية، مثلما وصفها بنفسه، وهو نفس الوصف الذي تعتمده الجماعات الحالية)، وكان جناحها العسكري المعروف بالتنظيم السرى أو النظام الخاص.

هو أول تنظيم إرهابي أصّل لفكرة الاغتيالات السياسية، ولجميع أشكال العنف ضد الدولة والمجتمع معاً تحت دعوة زائفة، ولكنها براقة لدى البعض، وهي استعادة الخلافة الإسلامية بعد أن ألغيت إثر هزيمة الإمبراطورية العثمانية، وإعلان الجمهورية في تركيا على يد أتاتورك في 1924.

كانت عبارة «وأعدوا....» في إشارة إلى الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، مع رمز المصحف والسيف هو شعار الجماعة منذ يومها الأول، أو بالأحرى ملخص لمنهجها الذي يؤمن بالعنف، وهو الشعار الذي لم يتغير إلى الآن، وبالتبعية، كان القسّم للجماعة يتم على المصحف والمسدس، مع الالتزام بالولاء التام (السمع والطاعة).

وجاء الجيل الثاني مع التيار القطبي، نسبة إلى سيد قطب - المنظر الثاني للجماعة - الذي عمّق منهج «التكفير» والعنف الذي كان قائماً في الأصل، بعد أن جاهر بجاهلية المجتمع ودعا للجهاد كفريضة دينية، لتصبح أعماله وكتبه (خاصة في ظلال القرآن ومعالم في الطريق).

هي الملهم الأول لكل جماعات العنف التي توالى ظهورها منذ أواخر الستينيات، والتي انطلقت من مصر، موطن الجماعة، إلى باقي أنحاء العالم العربي والإسلامي، حتى اتخذت هذا الطابع العالمي العابر للحدود، مثلما حلم البنا عند تأسيسه للجماعة الأم.

إن هذا الحديث ليس حديثاً عن الماضي أو التاريخ، فأفكار سيد قطب هي التي ضمنت الإبقاء على كل تقاليد «النظام الخاص» للجماعة بعد الضربات الأمنية التي تلقاها في الأربعينيات والخمسينيات، بل وإعادة إحيائها بأقوى مما كانت عليه.

فكتابات قطب هي التي ما زالت تتصدر منشورات جماعات العنف المعاصرة بتنظيماتها المختلفة، من «القاعدة» إلى «داعش»، والتي تُشكل الجيل الثالث في سلسلة هذه التنظيمات التي تعتمد جميعها على منبع فكرى واحد.

فقد نُقل عن الشيخ يوسف القرضاوي (أكبر منظري الإخوان)، أن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، كان منتمياً لهم، أي للإخوان، ومن يتابع بيانات هذا التنظيم المنشورة على بعض المواقع، يجدها أيضاً تمتلئ باستشهادات واقتباسات من أعمال سيد قطب حول «فريضة الجهاد»، مقرونة بتكفير الجميع، اتباعاً لمقولته الشهيرة (من لا يحكم بكتاب الله فهو كافر، وقتال الكفار واجب ديني).

إضافة إلى التزام التنظيم -أي داعش- بطريقة البيعة والقسم على المصحف والمسدس الذي ابتدعته جماعة الإخوان، والأهم من كل ذلك، هو إعلاؤه لنفس الهدف الذي بررت به وجودها، وهو إقامة خلافة إسلامية!

ومن قبل «داعش»، كان تنظيم «القاعدة» يحذو نفس الحذو، حيث كانت نفس الأفكار والتعاليم المستمدة من نفس الكتب هي التي تُوزع في أفغانستان في معسكرات أسامة بن لادن، زعيم التنظيم، قبل أن يُقتل على أيدى القوات الأميركية، ويتسلم القيادة بعده أيمن الظواهري، الذي بدوره أعاد أنتاج أفكار قطب في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، وهو تقريباً نسخة أخرى من «معالم في الطريق».

ولا يمكن تجاهل أيضاً ما صرح به الأخير بأن بن لادن خرج من جماعة الإخوان، وأنه «كان متبعاً ومنفذاً لتعاليمها بحذافيرها».

وإذا كان «القاعدة» هو الذي تصدر المشهد في التسعينيات وبداية الألفية الحالية، فإن «داعش»، الذي أثبت أنه الأكثر دموية وجرأة في احتلال الأراضي والامتداد الجغرافي، هو القادر اليوم على استقطاب وتجنيد العدد الأكبر من الأنصار والتنظيمات المحلية التي تحمل كلها نفس الفكر.

بغض النظر عن تسمياتها (جبهة النصرة، جند الخلافة، لواء أنصار السنة، أنصار بيت المقدس.. وعشرات أخرى من الأسماء)، والتي تُعلن ولاءها له، باعتباره مركز الخلافة، وهي تُشكل فقط ولاياتها أو «إماراتها»!

إذن، نحن إزاء شبكة معقدة من التنظيمات الإرهابية التي تُغير من أشكالها وتُنوع في أدواتها واستراتيجياتها لكسب معركتها الطويلة ضد العالم أجمع تقريباً، فاختار الإخوان (الذين يشكلون الجماعة الأم)، قناع «السياسة والاعتدال»، واختارت الجماعات الأخرى الوجه «العنيف» السافر.

يظل السؤال المحوري، كيف نواجه هذه التنظمات المتطرفة التي ما زالت تجذب أنصاراً لها، خاصة من الأجيال الجديدة؟ بالمواجهة العسكرية التي بدأت مع التحالف الدولي والإقليمي؟ أم بالمواجهة الأمنية التي تتم في كل بلد على حدة؟ أم بالمواجهة الفكرية؟

 

Email