ثورة أم لا ثورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم مرور أربع سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير وتضمين ديباجة الدستور الجديد فقرة تنص على احترامها في سياق تاريخ الثورات المصرية بدءاً من ثورة 1919 و1952 وانتهاء بـ 30 يونيو، إلا أن الجدل حولها ما زال مستمراً.

وليس المقصود بهذا الجدل هو الحديث في التفاصيل حول أهدافها ومسارها وبعض الشخصيات التي تصدرت المشهد فيها، وإنما امتد الأمر إلى التشكيك في كونها ثورة، بل واعتبارها مجرد «مؤامرة خارجية» وهو ما دفع الرئيس السيسي أخيراً للدعوة إلى إصدار قانون لحمايتها، رغم أن الثورات تفرض نفسها ولا تُفرض بقانون.

والسؤال الجوهري هو لماذا هذا الجدل حول ثورة 25 يناير بالذات؟

لا شك أن الإجابة ليست سهلة لأنها لا تقتصر على عامل واحد، فجانب منها يتعلق بمسار الثورة نفسها، وجانب آخر قد تكون له علاقة بطبيعة النظام السياسي الذي يرى الكثيرون إلى الآن أن ايقاع التغيير فيه أبطأ مما تستلزمه الحالة الثورية التي مر بها المجتمع.

قد يُرجع البعض هذا الجدل أو يختزله في أحكام البراءة التي حصل عليها الرئيس مبارك ورجال حكمه، وهي المحاكمة التي استغرقت ثلاث سنوات من عمر الثورة، إلا أن الواقع قد يشير إلى غير ذلك.

فالحكم لم يكن أكثر من مناسبة لتقييم ثورة يناير وإعادتها إلى ساحة النقاش مرة أخرى، والأرجح أنه سيستمر كذلك لفترة قادمة لأنه ببساطة ليس مجرد جدل أو نقاش، وإنما هو مظهر .

وانعكاس لصراعات كثيرة ظاهرة كامنة بين قوى قديمة وأخرى جديدة، تتداخل فيها شبكات مصالح وأجهزة ومؤسسات وجماعات سياسية وقائمة طويلة من الأطراف والأسباب التي تصب في نفس المعنى، وهي ظاهرة تعرفها جميع الثورات وعادة ما يتم وضعها في إطار الصراع بين «الثورة» و«الثورة المضادة».

الحالة المصرية يصعب تقييمها بمعزل عن مسار الثورات العربية الأخرى، والسنوات الثلاث الماضية لم تكن في صالحها تماماً ليس لافتقادها الأسباب والمبررات الموضوعية لقيامها أو لنقص في الأهداف التي حملتها.

ولكن لحالات التخبط التي اعترتها وفشلها في بناء أنظمة سياسية جديدة تعكس قيم الثورة وتطلعاتها، إذ انه حتى مع اختفاء الحكام السابقين عن المشهد مثل حالة تونس وليبيا واليمن، لم يكن ذلك ضمانا أو كفيلا بإيجاد البديل الأفضل المتوقع.

وصول جماعة الإخوان إلى الحكم قد شكل انتكاسة كبيرة لثورة يناير، حيث أثار مخاوف المصريين من مصير استبدادي أكثر سوءا مما كان عليه الوضع قبلها. ولا شك أن قطاعا واسعا من الرأي العام بات يُحمّل التجمعات والحركات الثورية مسؤولية ما آلت إليه الأمور لكونها قد مهدت الطريق لحكم الجماعة.

ولذلك، فالواقع يشير إلى أن خللا ما قد حدث وأن الانطلاق إلى الأمام يحتاج إلى رؤية جديدة وأساليب مغايرة لما اتبع في الفترة الماضية، فالثورات تنجح من التعلُم من التجربة والخطأ والمراجعة النقدية والتصحيح الذاتي للمسار وهو ما يتطلب جهدا لإعادة بناء النظام السياسي، بعد تجاوز مرحلة الغضب والرفض الأولى التي تتسم بها جميع الثورات.

ولكنها تظل مرحلة استثنائية لابد من تخطيها، فربما انشغلت القوى الثورية طوال الفترة الماضية بشخص مبارك بأكثر من انشغالها بشكل النظام السياسي الذي تركه مبارك وكيفية تصحيحه، أو بمنظومة الأفكار والقيم التي يجب أن يُعاد تشكيله على أساسها وهي قضية مطروحة على جميع القوى باختلاف مواقعها وانتماءاتها.

فمصر في حاجة إلى تجديد تلك المنظومة وأيضا تجديد نخبتها كجزء حيوي وضروري لعملية التغيير في الاتجاه الصحيح، إذ ان طريقة تشكيل النخبة إلى الآن ما زالت تجري على نفس النمط القديم الذي يعتمد على البيروقراطية والتكنوقراط والولاء السياسي وغيرها مما هو معروف وهو ما أعطى مظهراً قديماً للنظام الجديد.

إن الخروج التدريجي من الأنماط التقليدية سيكون له دور إيجابي على المستقبل، الذي لن يكون أفضل إلا برؤية سياسية جديدة ووجوه جديدة أيضاً في المواقع المختلفة حتى تكون هناك أرضية توافقية مشتركة بين الجميع.

 

Email