العالم بين سياسة الحرب أو الاحتلال

عادة ما تنتهي الحروب عندما يدرك المعتدي المهزوم أنه لا طائل من استئناف الصراع مجدداً، ويتبع السلام الدائم الصراع في حال اضطر الخاسر لتغيير نظامه السياسي إلى شيء آخر مغاير لما كان عليه.

روما الجمهورية تعلمت ذلك الدرس المرير عبر ثلاث صراعات مع قرطاجة، قبل التأكد من أنه لن تكون هناك حرب بونيقية رابعة، فيما خاضت ألمانيا ثلاث حروب كانت هي المعتدي فيها، قبل هزيمتها في النهاية واحتلالها وإعادة تأسيس نظامها.

وأميركا هزمت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان الإمبراطورية، وألحقت ضرراً جسيماً بها، ومن ثم احتلت أميركا تلك الدول الثلاث، ولا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية فيها حتى اليوم.

هل كان أحد ليصدق أن اليابان وإيطاليا وألمانيا الآن حليفة للولايات المتحدة، لو أن إدارة الرئيس الأميركي هاري ترومان أزالت جميع القواعد العسكرية الأميركية من تلك البلدان بحلول عام 1948؟

نجحت الحرب الكورية في إنقاذ كوريا الجنوبية غير الشيوعية، وألحق الجيش الأميركي عقوبة رهيبة بكوريا الشيوعية وبالصين. ثم احتلت أميركا كوريا الجنوبية لمنع شن هجوم آخر من الشمال، وتبعهما في نهاية المطاف عالم سامسونغ وكيا.

ولا تزال قوات حفظ السلام الأميركية موجودة في البلقان، بعد هزيمة رئيس صربيا سلوبودان ميلوسيفيتش وإبعاده عن السلطة عام 1999.

فهل يمكننا الآن سحب جميع قوات حلف «ناتو» من البلقان؟ وهل نتوقع من المسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك والمسلمين السلاف، والكروات، والقوميات والأديان الأخرى، العيش بسلام وعدم إشراك العالم في الصراعات القديمة الوحشية؟ في المقابل، لاحظ ما حدث عندما قصفت الولايات المتحدة أحد الأعداء ثم خرجت وتركت الأمر.

بحلول عام 1974 كانت فيتنام الجنوبية بلداً قابلاً للحياة، وكانت معاهدة السلام مع فيتنام الشمالية لا تزال قائمة، ولكن بعد فضيحة «ووترغيت» الأميركية وتدمير رئاسة نيكسون، وإزالة جميع قوات حفظ السلام الأميركية، تسلل الفيتناميون الشماليون بسهولة واستعبدوا الجنوب.

كان من السهل قصف نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وإخراجه من السلطة، ولكن ما تبع ذلك كان شن متطرفين لهجمات في بنغازي على القنصلية الأميركية وقتل أربعة أميركيين، وأصبحت البلاد ملاذاً للإرهابيين أكثر مما كانت تحت حكم القذافي.

وعندما تسلم أوباما مقاليد منصبه، كان العراق هادئاً إلى حد كبير، ومن ثم كان ثمن البدء بعملية إعادة الانتخابات هو قول أوباما: «أنهيت الحرب في العراق»، وعلى الأثر سحب كل قوات حفظ السلام الأميركية من بغداد، والنتيجة الآن هي فوضى «داعش» المتنامية.

والاحتلال الأميركي المُكلف في أفغانستان والعراق، لم يكن كما قال عنه المحافظون الجدد، أوهاماً لبناء ديمقراطية طوباوية، بل كان رد فعل يائساً على فشل سياسات أميركا السابقة. فبعد أن سلحنا الإسلاميين لإخراج السوفييت من أفغانستان عام 1989، تركنا البلاد تغرق في الفوضى.

إدارة كلينتون أطلقت مجموعة من صواريخ كروز على أفغانستان بفعل شائعات تتعلق بمكان وجود زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وشنت الأخيرة بدورها هجمات 11 سبتمبر.

وبعد طرد قوات صدام حسين من الكويت عام 1991، لم يُتبع الأميركيون الأمر بفرض حظر للطيران، ما أتاح له استعادة نشاطه، لتنفذ بعدها أميركا عملية عسكرية عرفت باسم «ثعلب الصحراء».

من الشائع التفكير في أنه يمكن تحييد التهديدات الأميركية باستخدام الصواريخ والقنابل والطائرات الموجهة عن بعد، دون كثير من التكاليف. لكن القضاء على مشكلة لبعض الوقت، يختلف عن وضع حد لها من أجل مستقبل أفضل.

أوباما يعِدُ الآن بتدمير تنظيم «داعش» في سوريا من خلال القوة الجوية فقط، ويؤكد أنه سيسحب كل القوات الأميركية تقريباً بشكل آمن من أفغانستان نهاية العام الجاري. ستبقى سوريا، على الأرجح، في حالة فوضى خطيرة مثل ليبيا وأفغانستان، وسينتهي بها الحال مثل فيتنام أو العراق.

الانتصار على أرض المعركة والاحتلال يمكن أن ينهيا مشكلة ما، ولكن ذلك لا يحظى بشعبية، فضلاً عن أنه مكلف. إذا لم نستطع أو لم نرد حل المشكلة على أرض الواقع، والقضاء على قوة العدو، ومن ثم إعادة تشكيل حكومته، فربما يكون من الأفضل النأي بالنفس تماماً، والعودة ببساطة إلى الديار.

 

الأكثر مشاركة