سيناء.. مواجهة تأخرت

ت + ت - الحجم الطبيعي

المخاطر التي تتعرض لها سيناء لا تقتصر فقط على الحادث الإرهابي الأخير، رغم خطورته وكونه يشكل نقلة نوعية في نمط العمليات الإرهابية التي تشهدها مصر عموما وهذه المنطقة خصوصا.

فسيناء تاريخياً كانت دائما مطمعاً للقوى الخارجية والإقليمية بحكم موقعها الاستراتيجي حيث تقع بين أهم الممرات المائية (خليجي السويس والعقبة) مثلما تعد رابطا مهما بين أفريقيا وآسيا عبر حدودها مع فلسطين..

وبعد اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي أصبحت سيناء منطقة ملتهبة في هذا الصراع و هدفا دائما للسيطرة عليها، فتعرضت للاجتياح في 1956 إبان العدوان الثلاثي ثم للاحتلال عام 1967 حتى استردت مصر أغلبها بعد حرب 1973  إلى تحريرها كاملة 1982 بعد مفاوضات شاقة حول منطقة طابا التي سعت إسرائيل لاستمرار السيطرة عليها  .

كذلك و مرة أخرى كانت سيناء موضوعا لكثير من المشاريع الدولية خاصة من قبل الولايات المتحدة وأيضا إسرائيل، لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين المعروفة بـ"مشاريع التوطين"، أي توطين جزء من الشعب الفلسطيني في الدول المضيفة لهم خاصة من سكان قطاع غزة المرتبط بسيناء بحكم خضوعه لسنوات طويلة للإدارة المصرية.

 وقد طُرحت هذه المشاريع والأفكار مبكرا في أواخر الأربعينيات، أي فور الإعلان عن قيام دولة إسرائيل ( 1948) واستمرت في الخمسينيات والستينيات مثل مشروع جونسون وفانس أمريكياً والمشاريع المشابهة التي قدمتها وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة..

وأيضا مشاريع بن جوريون وإيجال ألون وآبا ايبان بعد 1967 إسرائيلياً، و غيرها الكثير. وفى نفس السياق طُرح أيضا ما يعرف بالخيار الأردني أو الوطن البديل لتوطين فلسطيني الضفة الغربية بشرق الأردن.

ورغم أن هذه المشاريع والأفكار تبدو قديمة زمنياً، إلا أنها ما تلبث أن تتجدد مع كل مفاوضات تجرى حول قضايا الحل النهائي ( الحدود، المياه، القدس، اللاجئين، تبادل الأراضي) للصراع الفلسطيني الإسرائيلي..

وينطبق ذلك على فترات كل رؤساء أمريكا المعاصرين منذ كلينتون وحتى الآن،  باعتبارها - أي أمريكا- الراعي الأساسي لهذه المفاوضات . وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتصريح مؤخرا بأنه قد رفض اقتراح "قديم جديد" بإضافة جزء من سيناء إلى قطاع غزة لحل المشكلة السكانية للقطاع .

وما يزيد من المخاطر الأمنية التي تتعرض لها سيناء هو وضعها في اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث تم تقسيمها جغرافيا وفقا لدرجة التسليح وحجم القوات المتواجدة بها، إلى مناطق (أ) و (ب ) و (ج)  فتتراوح بين تسليح كامل ومتوسط إلى خفيف وهو ما ينطبق على المنطقة الأخيرة التي تشكل الشريط الحدودي مع إسرائيل وتقع بين مدينتي رفح والعريش شمال ووسط سيناء.

وهذه المنطقة تحديدا هى التي تستهدفها جماعات الإرهاب، بل هي منطقة بها الكثير من الثغرات الأمنية، ولذا سعت مصر إلى تعديل بعض بنود تلك الاتفاقية خاصة المادة الرابعة منها المتعلقة بالترتيبات الأمنية للمناطق محدودة التسليح، إلا أنها تشترط موافقة الطرفين أي مصر و إسرائيل وهو ما ترفضه الأخيرة.

والواقع أن هذه الأمور كلها لا تشكل وحدها التحديات التي تواجهها سيناء، وإنما ظهر تهديد أخطر شهدته السنوات الماضية خاصة بعد قيام حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة وارتباطها بمشروع أيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين ( كونها فرعا أو جناحا عسكريا لها ) ومعها ظهرت قضية الأنفاق بين مصر وغزة،..

والتي بدأت كأسلوب من أساليب المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل، ثم ما لبثت أن تحولت إلى مصدر لتهديد الأمن القومي المصري مستفيدة من تلك الثغرات الأمنية من ناحية، ومن التركيبة السكانية القبلية لمنطقة سيناء من ناحية أخرى.

فتسلًلُ العناصر الإرهابية وتهريب السلاح وغيرها  التي  تتم عبر الأنفاق تُستخدم فيها المنازل والمحال التجارية والمساجد كمداخل ومخارج لها،  أي أنها استغلت ببساطة وجود منطقة عمرانية على الحدود وهو ما دفع الدولة المصرية لإخلائها من السكان، لإبعاد المدنيين عن دائرة العمليات العسكرية وإقامة منطقة عازلة على الشريط الحدودي بعد أن أصبحت حماس هى المتحكمة فيه..

ومعروف أن معظم تلك الجماعات بغض النظر عن تسمياتها (كتائب القسام, أنصار بيت المقدس, السلفية الجهادية أو أكناف بيت المقدس القريب من "القاعدة" و غيرها)  لها امتدادات على الجانب الأخر أي الجانب الفلسطيني الذي يقع تحت سيطرتها، لذا كان منطقيا أن تلجأ القيادة المصرية إلى إغلاق معبر رفح فور وقوع الحادث الإرهابي الأخير.


بعبارة واحدة، إن حماس لم تعد مجرد فصيل سياسي فلسطيني يتبنى المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي،  وإنما باتت أسيرة لانتمائها الأيديولوجي الأساسي مع الإخوان..

ولا يعد من قبيل المصادفة أن تزداد وطأة العمليات الإرهابية في سيناء بعد عزل الرئيس الممثل للجماعة محمد مرسى وأن يصرح أحد قادتها (محمد البلتاجى) الذي يخضع الآن للمحاكمة  القضائية بأن وقف العمليات في سيناء يتوقف على "عودة الشرعية" أي الرئيس المعزول.


قد يصعب على قطاع واسع من الرأي العام المصري، الذي تعود اعتبار إسرائيل هى الخطر المباشر الوحيد لمصر، أن يتقبل حقيقة الخطر الجديد الذي تشكله حماس والأنفاق على أمنها القومي وحدودها الشرقية، ولكن هذا هو الواقع الذي يجب أن نعترف به.


مع تفاقم الصراعات السياسية في أغلب الدول العربية وانتشار الفوضى واهتزاز كيانات الدول وحدوث فراغ في السلطة، ظهر نمط جديد من الإرهاب يتبنى مشاريع عابرة للقومية أي متجاوزة للدولة الوطنية تحت شعار أو مسمى إقامة " دولة الخلافة".


الحرب ضد الإرهاب اليوم هى حرب غير تقليدية وغير محلية وتتداخل فيها عناصر التطرف مع أجهزة مخابرات دول، ناهيك عن مصادر التمويل والسلاح التي يصعب محاصرتها. إذن  فهي حرب طويلة ومعقدة ولكن مصر قادرة عليها .


 

Email