عيـن العـرب والموقف الأميركي والتركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنها مسألةُ وقت لا أكثر ويسيطر مقاتلو ما يسمى بتنظيم داعش في العراق وبلاد الشام على مدينة كوباني، والمعروفة بعين العرب الواقعة في الشمال السوري عند الحدود مع تركيا.

ولعل الأمر اللافت هو السكوت الأميركي والتركي، والنأي الكامل عن فعل شيء إزاء هذا التحرك من قبل داعش التي من المفترض أن تكون الولايات المتحدة في حالة حرب معها في كل من سوريا والعراق.

هذا السكوت يثير الكثير من التساؤلات، وكأن سقوط عين العرب في يد تنظيم داعش ليس مصلحة أميركية ولا مصلحة تركية.

الواقع يقول إن أي تقدم لعناصر قوات داعش في سوريا أو العراق هو فشلٌ ذريعٌ للإستراتيجية الأميركية الجديدة هناك والقائمة على توجيه ضربات عسكرية جوية لعناصر داعش بهدف تقويض قوتها والقضاء عليها

. فلماذا إذاً لا تتحرك الولايات المتحدة بتوجيه ضرباتها ضد قوات داعش الموجودة في عين العرب؟ يبدو أن الأمر مرتبط بشكل كبير بالموقف التركي من ما يحدث في عين العرب، حيث لا يبدو أن الأتراك متخوفون كثيراً من سيطرة داعش على عين العرب، وبالتالي سيطرتها على قسم كبير من الحدود السورية مع تركيا، أو أنهم يعتبرون أن خطر الأكراد في تلك المنطقة أكبر من خطر داعش عليهم لذلك فإنهم يفضلون إقصاء قوة الأكراد عبر قوة داعش.

إن من المعروف أن منطقة عين العرب تسيطر عليها ميليشيات وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والذي يسيطر على المدينة منذ انسحاب القوات السورية منها في النصف الأول من عام ٢٠١٢ عندما أصبح هم النظام السوري مواجهة شعبه الثائر ضد استبداد بشار الأسد ونظامه، والمعروف عن هذا الحزب أنه على علاقة بحزب العمال الكردستاني وهو القوة المسلحة المعادية لتركيا والتي تحارب أنقرة منذ عام ١٩٨٤.

ولقد وضعت تركيا ومعها الولايات المتحدة هذا الحزب في قائمة التنظيمات الإرهابية.

وهذا ما يفسر التردد التركي بالذات في دعم الأتراك في عين العرب رغم المطالب الشعبية التركية الكردية بضرورة التدخل لحماية الشعب الكردي السوري في تلك المنطقة. ولكن هناك القوميين الأتراك الذين لا يريدون لأنقرة أن تتنازل للأكراد.

فدخول تركيا على الخط لدعم الأكراد هناك ضد داعش سيُعتبر بمثابة تقديم خدمة جليلة لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية لا يمكن التعامل معها، وطرفاً يشن حرباً على تركيا منذ فترة من الزمن.

فتركيا توازن مصلحتها بين خطر الأكراد وخطر داعش، ويبدو أنها تميل إلى الاقتناع بأن دعمها للحرب ضد داعش في عين العرب لا يمكن أن يأتي من دون تنازلات كبيرة يقدمها الأكراد لصالح تركيا، أي أن أنقرة تنتظر من الأكراد على الطرف السوري أن يبادروا بإعلان تخليهم عن دعم حزب العمال الكردستاني ومشروعه في تركيا كشرط مسبق لقبول دخول المواجهة مع داعش لصالحهم.

ومن جهتها فإن الولايات المتحدة أيضاً مترددة في دعم تنظيم تعتبره إرهابياً من دون موافقة حليفها التركي على ذلك. فواشنطن لا يمكن أن تتحرك لصالح أكراد عين العرب إلا بمباركة من أنقرة، خوفاً من إغضاب تركيا الحليفة.

ويضاف إلى ذلك أن واشنطن متحذرة أيضاً من العلاقة القائمة بين أكراد عين العرب والنظام السوري، فهي تعتقد أنه لا يمكن لها أن تدعم أكراد عين العرب وهم حلفاء للنظام السوري، حيث إن ذلك لا يمكن أن يصب في صالح إنجاح إستراتيجيتها الجديدة في سوريا والهادفة إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد.

فربما أن واشنطن تنتظر هي الأخرى تنازلات كبيرة من قبل أكراد عين العرب لصالح التخلي عن تحالفهم مع نظام بشار الأسد من أجل الحصول على دعم أميركي في مواجهة داعش. إلا انه يمكن أن يقال أيضاً إن عدم تحرك واشنطن ضد داعش في عين العرب هو من أجل الضغط على أنقرة كي تتخذ موقفاً حاسماً في التدخل العسكري لحماية المدينة من قوات داعش.

أي أن واشنطن لم تود أن تقوم هي بالمهمة وتظل أنقرة راكبة بالمجان من دون أن تشارك فعلياً في العمليات العسكرية في سوريا. واشنطن قادرة على توجيه ضربات ضد داعش هناك ولكنها تريد لتركيا أن تكون حاضرة ومساهمة في تلك العمليات أيضاً. وهذا ربما يفسر لنا حالة الفتور الأميركي من ما يحدث في عين العرب.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن كل ذلك يشير إلى أن الحرب على داعش في سوريا والعراق لا يمكن أن تنجح لطالما أن الدول الفاعلة في الإقليم ولاسيما الولايات المتحدة ومعها حليفتها تركيا تساوم حول محاربتها لداعش في مقابل الحصول على تنازلات من أطراف أخرى في الداخل السوري والعراقي لصالحها أو فيما بينها.

وهذا قد يأخذ البعض إلى الاستنتاج بأن وجود داعش يمثل مصلحة لمثل تلك الدول، وقد يثير الشكوك حول مدى العلاقة التي يمكن أن تكون قائمة بين مثل تلك الدول كتركيا وتنظيم داعش الإرهابي.

بالإضافة إلى أن مثل هذا العمل يجعل عملية القضاء على داعش عملية صعبة ومعقدة، فداعش تحقق نجاحات كل يوم وتتوسع في مناطق إستراتيجية مستغلة الخلافات الإستراتيجية القائمة بين الأطراف الموجودة في المنطقة.

 

Email