مصر والتحالف ضد داعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحالف الدولي الذي تشكل للحرب على داعش يُعد الأكبر منذ التحالف المشابه الذي تكون في حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) في بداية التسعينيات، إذ بلغ عدد الدول الأوروبية والعربية والشرق أوسطية ما يقرب من خمسين دولة، وهو عدد يفوق عدد الدول التي شاركت في التحالف الأول.

وفي الحالتين فإن الولايات المتحدة هي التي دعت وقادت التحالف، ربما الفارق بين الحالتين أنه في الحالة الأولى كان هدف الحرب واضحاً ومحدداً (تحرير بلد عربي بعد غزو نظام عربي آخر له) ولم يكن من الصعب التوافق عليه وبالتالي تحديد دور الدول المنضمة له بدقة، بل وأيضاً تحديد العائد على كل دولة من مشاركتها في الحرب، أي تحديد مصلحتها المباشرة، لذا فقد ارتفعت درجة مشاركة أغلب الدول بدءا من تقديم التسهيلات اللوجستية والتعاون الأمني الى ارسال قوات مقاتلة على الأرض.

ومعروف أن مصر شاركت بقواتها في هذه الحرب واعتبرتها جزءا من الدفاع عن الأمن القومي للإقليم ككل.

ولأن الهدف كان محددا فلم يطل أمد المعارك التي انتهت بتحرير الكويت واستعادة الاستقرار الاقليمي وفتح المجال لتسويات أخرى فقد عقد بعدها مباشرة مؤتمر مدريد للسلام وتلاه توقيع «اتفاقيات أوسلو» 1993 والتي لعبت مصر فيها أيضا دورا رئيسيا الى جانب الفوائد الاقتصادية التي تحققت للدول المشاركة في هذه الحرب سواء من خلال المساعدات المباشرة أو اسقاط ديون بعض الدول المشاركة في التحالف.

أما التحالف الواسع الذي تشكل للحرب على داعش، فهو وان كان يحمل الكثير من ملامح التحالف الأول الا أنه قد يكون أكثر تعقيدا والتوافق بين دوله أصعب، ليس فقط لأنه يأتي في بيئة اقليمية مغايرة لتلك التي كانت سائدة في التسعينيات من حيث حجم التناقضات والصراعات والتنافس بين دول الاقليم وحتى على مستوى كل دولة على حدة، وانما أيضا لأنه يشكل جولة جديدة في حرب واسعة على الارهاب بدأت منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن.

وهذه الحرب الواسعة أو المفتوحة لا تبدأ أو تنتهي بمعركة واحدة حاسمة، وانما قد تنتقل ساحتها – أي ساحة المعركة – من منطقة الى أخرى وفق ما يظهر من تنظيمات متطرفة مسلحة جديدة تنتشر على طول الاقليم.

ففي البداية كانت حركة طالبان في أفغانستان، ثم تنظيم القاعدة الممتد بفروعه في أكثر من دولة واليوم داعش في سوريا والعراق، وبعدها قد تكون هناك ساحات أخرى كليبيا أو السودان أو اليمن أو سيناء.

وهذا الواقع يرتب أولويات للمواجهة في أي حرب على الارهاب، وهذه الأولويات بدورها تحدد مدى حماس الدول المنضمة للتحالف ودرجة ونوعية مشاركتها فيه. لذلك ظهر منذ اليوم الأول تباينا في وجهات النظر بين أطراف التحالف خاصة اذا أخذنا مواقف الدول الاقليمية الكبيرة كمقياس.

أما بالنسبة لمصر فالموقف يختلف، فالحرب على داعش ليست مثل حرب الخليج الثانية والأولويات التي تفرضها في الوقت الراهن بالقتال على الجبهتين السورية والعراقية قد لا تكون هي بالضرورة نفس الأولويات التي تراها مصر في حربها على الارهاب.

ان مصر لا تشكك في شرعية هذه الحرب ولا في أهمية التحالف الدولي والذي انضمت اليه فور تشكيله، لكن طبيعة دورها وحجم مشاركتها سيظلان مرهونين بعوامل أخرى وفق ما تمليه مصلحتها القومية أسوة بالدول الأخرى المنضمة للتحالف، فعلى سبيل المثال ستظل أولويات مصر مرتبطة بالمخاطر التي تهددها مباشرة سواء على حدودها الشرقية (سيناء).

أو الغربية (ليبيا التي باتت تحت سيطرة الاخوان المسلمين مع جماعات تكفيرية أخرى مثل جماعة أنصار الشريعة وغيرها) لذا فهي قد تقصر مشاركتها في المرحلة الحالية على التعاون اللوجستي والأمني دون ارسال قوات على الأرض، حيث لا تعتبر أن لديها مصلحة مباشرة في المعارك الدائرة على الأراضي السورية أو في اسقاط النظام السوري.

كذلك فإن التوتر السابق في العلاقات المصرية الأميركية ربما القى بظلاله على درجة حماس القاهرة للتحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة والذي أدى الى تجميد جزء من المساعدات العسكرية المقدمة لمصر.

ومن هنا كان تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه الى وسائل الإعلام الأميركية على ضرورة الافراج أولاً عن طائرات الأباتشي العشر التي احتجزتها واشنطن بعد 30 يونيو كبادرة لحسن النوايا وبدء صفحة جديدة في العلاقات أي العلاقات المصرية الأميركية والتي تُعد عنصراً حاسماً في تحديد درجة مشاركة مصر في التحالف.

 

Email