ما بين داعش والقاعدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين ليلة وضحاها أصبح تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام تتصدر أخباره العالم من الشرق إلى الغرب، إلى درجة أن الغرب بدأ يجد له ما يمكن أن يسميه عدواً جديداً يمكن له أن ينظم صفوفه ويعمل بشكل مشترك لمواجهته.

«داعش» التي تمكنت من أن تسيطر على مناطق شاسعة من العراق وسوريا واستطاعت أن تقف في وجه جيوش نظامية في هذين البلدين، نجحت في نشر الرعب لدى الكثير من الدول حول العالم.

ففكرها أصبح يجذب لها عناصر من مختلف مشارب الأرض، ويجعل دولاً تُبدل من سياستها في سبيل فقط مواجهة قوة وفكر هذا التنظيم الذي اصبح وبحق أخطر علامة تجارية في عالم اليوم، بل واستطاع أن يسحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة ويخطف الأضواء، فيا ترى ما الفرق بين داعش والقاعدة؟

التحليلات المتابعة لعمل هذين التنظيمين تشير إلى أن داعش والقاعدة يشتركان في الهدف، ولكنهما يختلفان نوعاً ما في الطريقة التي يمكن لهم تحقيق هدفهم.

فكلاهما قوة تسعى لتغير الوضع القائم في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام نحو تفتيت الدولة الوطنية وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي يصبح من خلالها المسلمون تحت راية الخليفة القاعدي أو الخليفة الداعشي.

فالوضع القائم في المنطقة مرفوض لديهم ولابد من تغيره لوضع جديد تسود من خلاله عقيدتهم وفكرهم على جميع المسلمين سواء رضوا بذلك أم لم يرضوا. كما أن الطرفان يشتركان في عدائهم للمسلمين الذين لا يشاركونهم فكرهم، وبالتالي لا يجدون غضاضة في ضرورة محاربتهم وقتلهم.

بالإضافة إلى ذلك فإنهما يشتركان في العداء للولايات المتحدة بالذات والغرب على وجه العموم، لذلك فإنهما يحاربونهم في العراق وأفغانستان وسوريا وحتى في بلدان أخرى ينشط من خلالها فكر القاعدة مثل الصومال وليبيا وباكستان ومالي والنيجر وموريتانيا واليمن ونيجيريا وغيرها من الدول والمناطق.

لقد ولدت «داعش» في الأساس من رحم القاعدة، لاسيما مع دخول القاعدة إلى العراق مع الغزو والاحتلال الأميركي لذلك البلد، فكانت البداية مع تنظيم القاعدة في العراق بزعامة أبو مصعب الزرقاوي الذي بدأ يتجه نحو الأخذ بالتنظيم إلى أسلوب الترويع من خلال ممارسة قطع الرؤوس لأعدائه.

ومن هنا بدأ ينشأ الخلاف بين تنظيم القاعدة الرئيس في أفغانستان وباكستان وتنظيم القاعدة في العراق. فالتنظيم الأم اعتبر أن أسلوب الترويع بقطع الرؤوس الذي اتبعه تنظيم العراق يُسيء إلى مشروع القاعدة في التأثير على المجتمع الإسلامي نحو الدفع بالتغيير لإقامة الخلافة الإسلامية بقيادة القاعدة.

إلا أن التنظيم العراقي لم يتراجع عن إستراتيجيته تلك بل تمدد من خلالها إلى سوريا مع بدء الحرب الأهلية هناك منذ عام 2011.

ومع سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الطائفية التي ألحقت الضرر بسنة العراق تمكن التنظيم من العودة إلى العراق وبقوة عبر رفع راية الحرب ضد الشيعة وغيرهم من غير المسلمين في العراق تحت قيادة أبوبكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة للمسلمين وأعلن قيام الدولة الإسلامية.

ولعل ضعف الجيش العراقي مكن «داعش» من أن تجد لها أرضية قوية في العراق، واستطاعت أن تسيطر على أراضي شاسعة تصل بحجمها إلى حجم المملكة المتحدة، والحصول على موارد اقتصادية من جراء بيعها لبترول حقول النفط التي تم الاستيلاء عليها بالقوة في تلك المناطق.

خطوة البغدادي بإقامة دولة الخلافة الإسلامية وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين زادت من حدة الخلاف مع تنظيم القاعدة الأم بزعامة أيمن الظواهري.

فالظواهري كان يعتقد بأنه من الضروري عدم الاستعجال في إقامة الخلافة الإسلامية كما فعل البغدادي، وأن دولة الخلافة ستأتي بشكل تلقائي بعد أن يتم تهيئة المجتمعات الإسلامية لقبول فكر القاعدة وتنظيفها من الوجود الأجنبي.

لكن البغدادي انتفض على تلك الفكرة باتباع حل إعلان دولة الخلافة الإسلامية باعتبارها الأسلوب الأفضل والأسرع لحشد التأييد الشعبي الإسلامي لتحقيق هدف إقامة الخلافة الإسلامية بدلاً من اتباع الأسلوب الطويل الأمد.

فأصبح الخلاف أكثر تعقيداً بين التنظيمين لاسيما وأن الظواهري زعيم التنظيم القاعدي الأم قد أحس بأنه هو شخصياً قد تم تهميشه من جراء تلك الخطوة، حيث كان يأمل بأن يكون زعيم التنظيم الأم هو خليفة للمسلمين.

واليوم هناك صراع يجري ليس بين «داعش» والمجتمع الدولي المناهض لفكرها وممارساتها وحسب وإنما أيضاً بين أخوة الأمس الذين آمنوا بذات الفكر ولكنهم اختلفوا في الأسلوب.

الجديدة التي أعلن عنها الرئيس أوباما الأسبوع الماضي.

 

Email