طوفان الفوضى ومصير المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعاني المنطقة العربية من حالة فوضى غير مسبوقة لم نعهدها من قبل. ورغم أن الفوضى لم تبتعد عنا خلال العقود الماضية، إلا أن حجم ومساحة وتنوع الفوضى خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت هي الأشد والأوسع والأكثر تأثيراً.

واللافت هنا أننا كنا نعايش اضطرابات تخص الدول ذاتها وصراعات النخب الحاكمة فيها، وعلى رأسها الجيش والقيادات المرتبطة به، أما الآن فنحن نشاهد جماعات عديدة مسلحة، على رأسها حركة داعش الدموية، تستبيح سلطة الدولة، وتستبيح المواطنين وتستحل دماءهم، من أجل مشروعات وهمية. لماذا وصلت المنطقة إلى هذا المستوى الهائل والمخيف من الفوضى؟

ولماذا استقرت مناطق أخرى حول العالم بينما لا نزال نواجه التنظيمات والحركات الدموية؟ ولماذا تستقر الأعراف المرتبطة بحقوق الإنسان والأقليات وترُاعى الاختلافات بين البشر في الكثير من مناطق العالم، بينما لم نصل نحن إلى أي صيغة تعايشية سلمية تنبذ العنف وتؤكد على الحق في الحياة؟ هل للمسألة علاقة بالديمقراطية والتنمية والتطور؟

 أو بالانتماءات الدينية والتصورات المرتبطة بها؟ أم بنوعية الحكم السياسي في المنطقة؟ وهل لها علاقة بنوعية الشخصية العربية وطريقة تربيتها والقيم التي ترتبط بها؟ وهل للخارج والقوى العالمية المهيمنة دور مؤثر على طبيعة التحولات الفوضوية التي تشهدها المنطقة؟ أم أن ما يحدث فيها هو حصاد ما زرعته أيدينا؟

الواقع أن هناك أسبابا عديدة معقدة ومتداخلة وراء ما يحدث في المنطقة الآن. فالأحلام الهائلة التي روج لها البعض أيديولوجيا منذ منتصف القرن الماضي، مع ظهور بشائر الدولة القومية في العالم العربي، وأهازيج الانتصار على الاستعمار، حملت بين طياتها أماني وأحلاما لم تترجم إلى نهضة اقتصادية فعلية تنتقل بالمواطن من حالة التمني إلى الواقع الفعلي.

وللأسف فشلت كافة المشروعات الأيديولوجية في المنطقة، التي جذبت وراءها الملايين في المشرق والمغرب، كما أن هذه المشروعات ساعدت على تقسيم المنطقة العربية إلى كتل جغرافية متصارعة ومتنافسة ومتآمرة على بعضها.

وكان الفائز الوحيد من خلال المعارك العربية طوال ما يزيد على نصف القرن، هو إسرائيل؛ فقد حققت انتصارا تلو الآخر على الجيوش العربية، وامتدت جغرافيا وتوسعت إقليميا وتقدمت اقتصاديا وعلميا. وإضافة إلى ما سبق..

فقد هيمنت الدولة القطرية على مقاليد أفرادها وتحكمت في مصائرهم، وهو أمر ارتبط طرديا مع تخلف مشروعها وتردي إنتاجيتها، وأدى في النهاية إلى زيادة وتيرة القهر والعنف عبر أجهزتها الأمنية. ولأن العنف لا ينتج سوى العنف، فقد رفع بعض الجماعات السلاح في وجه الدولة، وبادلها عنفا بعنف.

ورغم نجاح الدولة في القضاء على عنف تلك الجماعات التي فارقت كافة المشاريع الأيديولوجية في المنطقة لترتمي في أحضان المشاريع الأيديولوجية الدينية، فإنها خلقت مجاميع بشرية كارهة لها ولممارساتها، اتسمت بالانزواء والاختفاء وتكفير كل ما حولها.

وهو أمر ظهرت تجلياته المخيفة في ما نشاهده الآن من أسماء لجماعات كثيرة، لا يجمعها سوى القتل والتدمير والعنف والثأر من كافة رموز الدول التي يعيشون بين جنباتها. وبالطبع لا يمكن إنكار تدخل الخارج لتوسيع دائرة العنف، وربما التخطيط لتلك الجماعات والعمل على توسيع دائرة العنف والقتل المرتبطة بها.

هذه الخلطة المركبة، من عنف الدولة وعنف الجماعات وتقدم إسرائيل والتستر باسم الدين والصراعات العرقية والتدخل السافر والمتآمر للخارج، جميعها أوصلتنا إلى المواجهة المباشرة مع حركة داعش الدموية، والمواجهة المباشرة مع الفوضى الهائلة والفتاكة التي تعايشها المنطقة.

السؤال الهام: هل تستطيع الدول العربية فرادى النجاة من طوفان الفوضى الذي ينتظرها؟ أم أننا بحاجة لتكتل عربي فعلي وحقيقي ينسى المصالح الضيقة من أجل إنقاذ المنطقة من التفكك والانهيار؟!

 

Email