لماذا نقف مكتوفي الأيدي والإرهابيون يهدّدون أوطاننا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتوا أولاً لمجابهة الفلسطينيين ولم أتحرك، لأنني لم أكن فلسطينياً.

ثم أتوا لمجابهة اللبنانيين ولم أتحرك، لأنني لم أكن لبنانياً.

ثم جاؤوا لمجابهة السوريين والعراقيين ولم أتحرك، لأنني لم أكن سورياً ولا عراقياً.

وأخيراً جاؤوا لمواجهتي، ولم يكن قد بقي أحد ليدافع عني.

 

»الدولة الإسلامية في العراق والشام«، »الدولة الإسلامية في العراق والمشرق«، »الدولة الإسلامية«، »داعش«، من يكترث للاسم الذي تطلقه هذه المجموعة المؤلّفة من بضعة آلاف من القتلة المخبولين على نفسها، يحتفي هؤلاء المنحرفون الآن بإقامة »خلافتهم« التي تمتدّ من شرق العراق إلى حلب، ويقودها العراقي أبو بكر البغدادي الذي يطلب من جميع المسلمين إعلان الولاء له.

وهذا تطاول مشين بحق الخلفاء الراشدين الأربعة - أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب - الذين بنوا العصر الذهبي للإسلام بحكمتهم ورجاحة فكرهم. ليس البغدادي سوى مجرم يستغلّ بقسوة وهمجية الهالة التي تحييها الخلافة في النفوس بهدف استقطاب مجنّدين جدد من مستنقع عالمي من الفاشلين ذوي العقول الضعيفة الذين يعملون على تطبيق مقاطع فيديو عنيفة في الحياة الواقعية.

تنظيم »داعش« هو بمثابة الحالة السوداء المتبقية من »القاعدة«، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كل التنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا وليبيا واليمن ومصر ولبنان وإيران، والتي تدنّس الإسلام بهدف الاستيلاء على السلطة والثروات والأراضي. قد تكون أعدادهم صغيرة، لكنهم يشكّلون معاً التهديد الأكبر للاستقرار والأمن في منطقتنا.

لقد دأبت منذ سنوات على إثارة هذا الموضوع مع القادة العرب مدفوعاً بأمل وطيد بأن يتحرّكوا لاستئصال هذا الوباء قبل أن يستوطن ويتفشّى. والآن فيما يدقّ أولئك الإرهابيون الذين تلطّخت أياديهم بالدماء، أبوابنا ويتسلّلون إلى بلداننا، بدأوا وأخيراً بإدراك هذا الخطر.

إنه لأمر مأسوي فعلاً أن العرب، وعلى الرغم من كل جبروتهم العسكري، وقوتهم الجوية، وقدراتهم الاستخباراتية، ونفوذهم، يقفون متفرّجين ويسمحون لأولئك الكفّار بالاختباء خلف راية الإسلام بهدف التوسّع وإنشاء خلايا نائمة في بلداننا.

إنه أمر لا يُصدَّق أن بضعة آلاف البدائيين المسلّحين الذين يعتقدون أن قطع الرؤوس والصلب والتعذيب هي وسائل للاستعراض، يستطيعون ترهيب 500 مليون عربي أو ترويع جيش المالكي ودفعه إلى الهروب مثل الأرانب.

لو تنبأ أحد أن الأمور ستسلك هذا المنحى قبل سنوات، لسخرت منه.

يجب التحلّي بالقليل من بعد النظر. فالأمور، كما أعتقد، ليست كما تبدو في الظاهر. في ما يختص بالعراق، تقع الملامة على أطراف وعوامل عدّة بدءاً بالتأكيد من الغزو الأميركي عام 2003 الذي أدّى إلى ارتكاب الخطأ تلو الآخر من جانب المحتل الأميركي، مثل تسريح الجيش العراقي، وإقصاء البعثيين من المناصب الحكومية، ولبننة المساحة السياسية ما جعل البلاد في قبضة دمية تحرّكها إيران.

لقد تمتّع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بحرية مطلقة لتطبيق سياسات مذهبية بمجرد ما إن غادرت آخر العناصر التابعة لقوات التحالف البلاد، وهكذا يتعرّض السنّة للقمع والتهميش والحرمان من الحقوق والفرص - والإذلال. وخوفاً على منصبه، دأب المالكي بصورة متعمّدة على إضعاف الجيش وسلاح الجو اللذين يكتظّان بالشيعة غير المتمرّسين ويعانيان من النقص في الطائرات والمروحيات والمعدّات.

ما يحدث اليوم هو رد فعل على أنانية المستبدّ وضيق أفق تفكيره. إنها انتفاضة سنّية تشارك فيها القبائل والبعثيون السابقون الذين ساعدوا منذ وقت قصير الحكومة على طرد تنظيم »القاعدة«، لكنهم ضاقوا ذرعاً بالوعود المنكوثة والتدخّل الإيراني، ويستغلون قوة »داعش« النارية من أجل القضاء على خصمهم في بغداد. ما إن يؤدّي تنظيم »داعش« الذي يتصرّف كقوة مرتزقة في العراق، الغاية المرجوّة منه، سوف يطرد السنّة العراقيون الإرهابيين، تماماً كما فعلوا مع »القاعدة«، وكما يفعل »الجيش السوري الحر« في سوريا عبر محاربة »داعش« و»جبهة النصرة« التي هي أيضاً من فروع »القاعدة«. قد يكون تنظيم »داعش« متعطّشاً للدماء، لكنه ليس قوياً بقدر ما تحاول آلته الدعائية الفعالة إيهامنا.

لقد أطلقت الأزمة العراقية، كما كان متوقّعاً، دعوات لتقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم، بحسب خطة المحافظين الجدد الذين كانوا يقدّمون المشورة لجورج دبليو بوش عام 2003، والتي كانت تقضي بإضعاف هذا البلد العربي الذي كان نافذاً وقوياً من قبل، وذلك بهدف إعادة رسم خريطة البلدان المجاورة لإسرائيل. وقد أُدرِجت هذه الخطة في إطار تقرير حكومي بعنوان: »حد فاصل: استراتيجية جديدة لفرض الأمن في المنطقة«.

ونجد أصداء هذه السياسة في الدعم الذي قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مؤخراً لقيام دولة كردية مستقلة - وبالمناسبة، يبيع الأكراد إسرائيل نفطاً يُفترَض بأنه ملك لجميع العراقيين. متى سيبادر العالم العربي إلى وضع استراتيجية لضمان الأمن في منطقتنا؟ ماذا ينتظرون بعدما أعلن تنظيم »داعش« أنه سيتوسّع قريباً باتجاه الأردن والسعودية والكويت؟

حان الوقت لقول كلام صريح! كيف تحوّلت الحرب على الإرهاب إلى حاضنة للإرهابيين، ليس في العراق وحسب إنما أيضاً في بلدان أخرى؟ هل هناك من مخطّط لزعزعة الاستقرار في الدول العربية بهدف الحؤول دون صعود القومية العربية، والإبقاء على القواعد الأميركية في المنطقة، والسماح للإسرائيليين بأن يناموا قريري العين فيما يُحكمون قبضتهم على موارد المنطقة؟ هل يمكننا أن نتخيّل أن القوة العظمى الجبّارة وحلفاءها الغربيين عاجزون تماماً؟ هل يمكن أن نصدّق أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لا يملكان القدرة على سحق »داعش« وأمثالها تحت أقدامهما مثل النمل لو كانت لديهما رغبة حقيقية في ذلك؟

لا أملك أجوبة شافية، لكنني أعلم أمراً. علينا أن نتحمّل في مجلس التعاون الخليجي مسؤولية الدفاع عن منطقتنا، بدءاً بوضع تعريف واضح للتمييز بين الأعداء والأصدقاء. علينا أن نرفع مصطلحَي »الدبلوماسية« و»اللياقة الدبلوماسية« من قاموسنا لدى التعامل مع الدول الخارجية، لأن كلامهم المعسول يُخفي مصالح ولا شيء سوى المصالح.

على دول الخليج العربي، التي تواجه التهديدات نفسها، أن تبقى موحّدة وتضع أجندة مشتركة حول سبل حماية دولها من دون الحاجة إلى الاعتماد على الحلفاء الغربيين الذين ثبت أنهم غير جديرين بالثقة.

أناشد أيضاً قادتنا عدم الاعتماد على المستشارين في السياسة الخارجية فقط، إنما أيضاً التشاور مع مواطنين بارزين أثبتوا نجاحهم في بناء مستقبل بلادهم. علينا أن نفكّر معاً بهدف إيجاد سبل تحول دون تحوّل دول مجلس التعاون الخليجي إلى ممرات يستخدمها الإرهابيون والميليشياويون للتنقّل بين البلدان العربية، وأماكن يخبّئون فيها أموالهم.

علينا أن نعمل على تعزيز جيوشنا، وتحسين تبادل المعلومات الاستخبارية، وتمويل مراكزنا البحثية المتخصّصة في العلوم السياسية والتخطيط العسكري الاستراتيجي والتي تمتلئ بالخبراء المتمرّسين في مجالاتهم؛ وهم أشخاص قادرون على استنباط حلول غير تقليدية للتغلب على التحدّيات التي تواجهنا. يجب أن نتسلّح بالمعلومات والتحاليل الدقيقة من أجل اتخاذ قرارات فعّالة تخدم مصالحنا، بدلاً من أن نتحوّل إلى قشة تتقاذفها العواصف القادمة إلينا من الخارج.

أخيراً، أناشد بقوّة كل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وحلفاءهم العرب، مثل مصر والأردن، أن يرفضوا رفضاً قاطعاً تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء. وفي حال وُضِعت هذه الخطة موضع التنفيذ، علينا أن نتّخذ كل الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية الضرورية لمنع تطبيقها. كونوا جاهزين ومتيقّظين! استعرضوا قوّتكم واعملوا على وضع خطوط حمراء فعلية، قبل فوات الأوان.

Email