خيارات العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يستطيع أن يجزم أن العراق باق على حالته كدولة واحدة؛ معظم المؤشرات تشير إلى أن مستقبل العراق وللأسف الشديد هو في تقسيم البلد إلى ثلاث دويلات على أساس طائفي وعرقي. فعراق ما بعد صدام حسين فشل فشلاً ذريعاً في تكوين الدولة الوطنية التي تذوب فيها كل القوميات لصالح أمة عراقية واحدة.

فالسياسات الطائفية قسمت العراق إلى ثلاثة أقسام، قسم شيعي يلقى كل الدعم من الدولة؛ وقسم سني مهمش بل ومبعد عن المشاركة في عملية صنع القرار بحجة شعارات الديمقراطية التي تمنح سيطرة الأغلبية على الأقلية؛ وقسم كردي لا يرى نفسه جزءاً من الدولة العراقية الجديدة على الإطلاق، فمن يزور إحدى مدن إقليم كردستان لن يشاهد سوى العلم الكردي يرفرف في مختلف مناحي الإقليم في غياب تام للعلم العراقي.

لذلك فإن حالة الغليان الشعبي الحالية في العراق والتي يقودها السنة العرب هناك في مواجهة سياسات المالكي الطائفية والتي اختلطت بحالة سعي البعض لاستثمار حالة الفلتان الأمني لصالحه ـ مثل قوى ما يعرف بدولة العراق وبلاد الشام (داعش) التي غيرت مؤخراً أسمها إلى الخلافة الإسلامية ـ إنما هو دليل واضح على أن حكام العراق الجدد فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق وحدة العراق. فالمالكي وسياساته الطائفية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم تواجه حرب استنزاف بينها وبين أبناء العشائر العراقية من السنة ومعهم أيضاً الجماعات المسلحة التي دخلت على خط المواجهة عبر الحدود مع سوريا مستغلة فشل الدولتين السورية والعراقية.

إن العراق أمام ثلاثة خيارات: الاستمرار في حالة الاقتتال والحرب الأهلية، التقسيم السيادي الكامل، أو التقسيم الإداري الفيدرالي الإيجابي. لا أحد بالطبع يحبذ استمرار حالة الاقتتال القائمة في العراق لأنها ستؤدي إلى حرب أهلية لا نهاية لها، ولكن سياسات المالكي قد تؤدي بالعراق إلى السير في هذا الاتجاه.

والخيار الثاني الانفصال الكامل للعراق إلى ثلاث دويلات: كردية وسنية وشيعية.

ولو نظرنا إلى مصالح الأطراف من هكذا خيار لوجدنا أن الأكراد دائماً ما كانوا ينادون بالاستقلال، لذلك فإن التقسيم سيصب في صالحهم لاسيما وأنهم استطاعوا ومنذ التسعينيات من القرن المنصرم أن يؤسسوا مقومات للدولة الكردية، ولديهم من الموارد الاقتصادية المتمثلة في النفط ما يمكنهم من الاستمرار والنجاح كدولة مستقلة، واستطاعوا كذلك أن يُكونوا لأنفسهم علاقات طيبة مع العديد من دول العالم. فالتقسيم مرحب به لدى أكراد العراق.

أما عن الشيعة الذين يمثلون الطائفة المذهبية الأغلب في العراق فإن التقسيم سيفيدهم من ناحية أن مناطقهم في الجنوب تتمتع بدرجة من الاستقرار الأمني ولديهم من الموارد النفطية ما يؤهلهم لتكوين دولتهم المستقلة. كما أن استقلالهم سيبعدهم عن الصراع الدائم الذي يعيشونه مع السنة في منطقة الوسط الذين لا يؤيدون استئثار الشيعة وسيطرتهم على عملية صنع القرار.

لذلك فإن تقسيم العراق سيصب في صالح شيعة العراق، إلا أن ذلك لا يمكن أن يصب في صالح إيران القوة الرئيسية الداعمة لشيعة العراق والمسيطرة على القوى الشيعية الرئيسية في العراق والتي سترى في إقامة دويلات سنية في الوسط والشمال العراقي فيه إنهاء لحلمها في إقامة طوق شيعي ممتد من إيران عبر العراق إلى سوريا. بالإضافة إلى أن استقلال الوسط العراقي سيمنع التواصل الجغرافي بين إيران وحلفائها في سوريا ولبنان عبر الأراضي العراقية.

كما أن استقلال الكرد في شمال العراق سيفتح المجال أمام الأكراد الإيرانيين للمطالبة باستقلالهم هم أيضاً وتكوين دولتهم المستقلة أو الانضمام إلى كردستان العراق في دولة مستقلة، الأمر الذي سيفتح على إيران باب التفكك. لذلك فإنه ليس من صالح إيران استقلال سنة العراق في وسط البلاد.

أما عن السنة من العرب في العراق فإن استقلالهم سيمنحهم القدرة على إدارة شؤونهم بشكل مستقل عن سيطرة حكومات شيعية على العراق. ولكن سيكون السنة أقل الدويلات ثراء بين الأقسام الثلاثة وذلك لأنها لا تتمتع بوجود موارد نفطية. كما أن حالة التراجع الاقتصادي من شأنها أن تفتح المجال لحالة من عدم الاستقرار في تلك المنطقة حيث ستصبح مرتعاً لأفكار التيارات المتشددة لاسيما الجهادية منها. الأمر الذي سيمكن ما يسمى بداعش أو دولة الخلافة الإسلامية أن تؤسس لنفسها في تلك المنطقة.

لذلك فإن الخيار الأمثل في العراق يتمثل في التأسيس لدولة عراقية فيدرالية يشارك الجميع في عملية صنع القرار فيها بحيث لا يستأثر أحدهم بتلك العملية دون الأخر. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إعطاء صلاحيات مستقلة للأقاليم العراقية الثلاثة: الشمال والوسط والجنوب في إدارة شؤونها وتنظيم أنفسهم بعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية. فالدول الفيدرالية عندما تخشى من أن تتفكك وتنقسم فإنها تسعى إلى إعطاء صلاحيات أوسع للأقاليم الساعية للانفصال.

ليس خطأ أن تتمتع المحليات بسلطات أوسع من السلطات المركزية للدولة الاتحادية في النظم الفيدرالية؛ وليس خطأ أيضاً أن يتم تشكيل تلك الأقاليم على أساس طائفي أو عرقي، فالفيدرالية يتم تأسيسها في بعض الحالات بهدف حماية الطوائف والأعراق من سيطرة بعضها على بعض؛ وليس خطأ كذلك أن يكون الجنوب شيعياً والوسط سنياً والشمال كردياً، إذا أن مثل هذا الترتيب من شأنه أن يحقق الأمن والاستقرار للعراق.

فالعراق أمام ثلاثة خيارات، إما الحرب الأهلية، أو التفكك الكامل لثلاث دويلات مستقلة استقلالا كاملاً مع وجود بعض الإشكاليات التي ستتبع ذلك، أو خيار التقسيم الإداري الفعلي إلى ثلاثة أقاليم لا يتدخل المركز في شؤونها؛ ولعل الخيار الثالث هو خيار العقل والحكمة للعراق.

Email