الفشل الأميركي والإيراني في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

إن ما يحدث في العراق من عودة للصراع المسلح بين الشيعة والسنة ودخول البلد في أتون الحرب الأهلية الطائفية لا يدل إلا على أن السياسة الأميركية والسياسة الإيرانية في العراق قد فشلتا فشلاً ذريعاً هناك، وأن العراق أصبح اليوم بلداً فاشلاً بكل معنى الكلمة بسبب تلك السياسات.

لقد جاءت الولايات المتحدة بكل ما تملك لفرض احتلالها على العراق بالقوة المسلحة، وأبدعت العبقرية الأميركية في إنهاء الدولة العراقية ليس فقط بتغيير نظامه السياسي، بل جاءت بفكرة مجنونة كل الجنون عندما اتخذت خطوة تسريح الجيش العراقي ـ أحد أكبر جيوش العالم في تلك الفترة ـ ومعه جهاز الشرطة على أمل أن تُقيم دولة جديدة بنظام سياسي جديد وجيش جديد وشرطة جديدة.

عبقرية فرخت لنا نظام بريمر الطائفي الذي لم يكتف بدستور مُعيب بل بنظام مخزٍ كرس الطائفية في بلد لا يتحمل على الإطلاق أن يتم اللعب فيه على وتر النعرة الطائفية. فما يحدث اليوم في العراق ليس إلا إعلانٌ واضحٌ على أن الطائفية التي هيكلتها الولايات المتحدة في جسد العراق ليست مقبولة لأنها وبكل بساطة لم تعمل على تحقيق العدالة والإنصاف بين طوائف ومكونات المجتمع العراقي بل خلقت مجتمعاً تسيطر عليه طائفة واحدة وتُهمش من خلاله كل الطوائف الأخرى.

ومع قدوم الولايات المتحدة إلى العراق تعزز النفوذ الإيراني في ذلك البلد، الذي لطالما لم تستطع إيران أن تكسر قوته التي لم تتوان بغداد عن استخدامها في مواجهة إيران. لقد أعطى الأميركيون العراق لإيران على طبق من ذهب، وما كان لأية قيادة في إيران أن ترفض العرض الأميركي المغري بإزاحة رأس الحربة ـ الرئيس السابق صدام حسين ـ ونظامه لصالح نظام جديد يصبح فيه رجالات إيران هم الحكام الجدد.

وكان لها ما أرادت، فبينما خلقت الولايات المتحدة نظام محاصصة طائفية استثمرت إيران ذلك لفرض نفوذها عبر وكلائها في العراق، فجاءت بنوري المالكي كرئيس للوزراء، وترجم هذا الأخير كره السنة في العراق بسياسات حكمت العراق بشكل طائفي بشع.

وما يحدث اليوم في العراق هو إعلان واضح لرفض العراقيين السنة ليس فقط للسياسة الطائفية التي يتبعها المالكي في العراق بل أيضاً رفضاً للتدخلات الإيرانية السافرة في ذلك البلد والتي جعلت من حكومته دمية تتلاعبها طهران كيفما شاءت.

إن ما يحدث في العراق هو بكل بساطة إعلان واضح عن فشل سياسات كل من الولايات المتحدة وإيران في العراق. وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يأتي من خلال الاستمرار بالسياسة ذاتها من قبل الطرف الأميركي والطرف الإيراني، لأن ذلك لن يؤدي إلا لتأجيج الوضع سوءاً أكثر فأكثر، وعندها تحترق أميركا ومعها إيران في العراق. إن العقل يدعو الأطراف ـ أي الولايات المتحدة وإيران ـ بأن تتحمل مسؤوليتها في العراق بالشكل الذي من شأنه أن يساعد العراق على تجاوز هذه المشكلة.

فالحل ليس بما يدعو له المالكي ولا السيستاني بتسليح أهل العراق من الشيعة بكبيرهم وصغيرهم ورجالهم ونسائهم لمواجهة أهل العراق من السنة، ولا من خلال ما يحاول المالكي للترويج له بضرورة توجيه ضربات عسكرية جوية أميركية ضد مناطق السنة في العراق. فكل ذلك لا يجدي ولا يمكن أن يمثل حلاً للمشكلة، وإنما سيدخل البلد في حرب أهلية أقوى من ما هي عليه سوريا اليوم. ولن تستفيد واشنطن ولا طهران ولا المالكي، سوى استنزاف لطاقاتهم في حروب غير نظاميه.

وسيكلفهم من الموارد والطاقات ما لا يمكن أن يتحملونه على المستوى المتوسط. فواشنطن لا تستطيع تحمل التكلفة المادية الباهظة التي سيتطلبها التدخل العسكري الأميركي في العراق والتداعيات الأخرى من جراء مثل هذا التدخل.

ولا يمكن لإيران أن تستنزف قوتها العسكرية على أكثر من جبهة حيث إنها ما زالت في حرب ضروس في سوريا لدعم نظام بشار الأسد هناك، ولا يمكن للمالكي وجماعته تحمل حالة الفوضى التي ستصل إلى بغداد وتشمل البصرة، وفرصة استقلال الأكراد في الشمال بالكامل عن الحكومة المركزية.

إن الحل في تعقل الطرفين الأميركي والإيراني، في التعامل مع المشكلة في العراق. فعليهما أن يدركا أن زمن المالكي وسياساته الطائفية قد مضى، ولا يمكن الرجوع إليه إذا ما أرادوا بالفعل وضع حد لما يدور في العراق اليوم، فعليهما عدم دعم المالكي وسياساته الطائفية في العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. وعليهما الدفع في تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يكون المالكي فيها. فالمالكي وللأسف الشديد كرس استبداده بشكل طائفي، واستبداده هذا هو الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه اليوم.

إن دول الخليج العربي مستاءة، ومن حقها أن تستاء. فكيف يمكن لشخص مثل المالكي أن يأسر واشنطن ويجعلها تضحي بخلق أعداء لها في المنطقة؟ فالوضع الطائفي الذي خلقته كل من الولايات وإيران في العراق من خلال دعمهما للمالكي، ألقى بظلاله على الوضع الطائفي في المنطقة العربية بأسرها. ولا يمكن أن نتصور أن تقبل دول الخليج بحالة التأجيج الطائفي المستعر حالياً في العراق، والحل في التعقل وعدم العودة إلى الماضي.

 

Email