الإعلام المرئي والحروب الأهلية العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدايةً كانت في العراق بُعيد الغزو الأميركي - الدولي عام 2003. أُطلق العنان للإعلاميين للتعبير عما يحدث بصورة متحيزة لفئة دون أخرى. بدا الوضع كما لو كان النظام السياسي السابق الحاكم، يكتم أنفاس مجموعات من الطوائف تتسم بالأقلية أو الأغلبية.

ثمة هنالك مجموعات وسط في الحجم وميكروسكوبية أخرى، انضمت إلى الجوقة الإعلامية العامة، وأخذت تفسر الأمور على هواها. باتت أمام العامة أبواق إعلامية تتخذ من التصعيد والتهويل والمبالغة والكذب أسلوباً ومنهجيةً، في صراع البقاء والسياسة مع الغير؛ محلياً وإقليمياً ودولياً.

حديثاً بدأت موجة الربيع العربي تجتاح عدداً من الأقطار العربية؛ تكسر عظم الواحد تلو الآخر. وعلى خطى ما حدث في العراق، اقتدت حركات الربيع الجديدة في منهجيتها الإعلامية. إلى جانب استعمال شبكة الإنترنت الدولية، امتلكت الأحزاب والفئات والطوائف قنوات فضائيةً تبث على مدار الساعة.

المادة المبثوثة جلها من نوع التحريض والمحاباة العمياء، ومناصرة رأي على آخر. في النهاية تُذكي وسائل الإعلامي هذه نيران الحروب الأهلية العامة وتبقي عليها مشتعلةً؛ ربما حتى النفس الأخير للشعوب المغلوبة على أمرها! تتبع في ذلك نمط الإعلام الدولي الذي لا يضيره كثيراً بدء حرب أهلية، واستمرارها طويلاً فيما بعد.

اتخذت أبواق الإعلام والدعاية المحلية منهجاً يتسم باللامبالاة إزاء ما يجري، وما يمكن أن يُستحدث من أزمات وكوارث وويلات. ظنت أنها محصَّنة إزاء احتمال مرور الربيع بها نفسها.

الملاحَظ في وسائل الإعلام وبشكل صارخ، إهمالها ما يجري للطرف الآخر، الخصم أو الند، ثمة الشريك في الوطن والمستقبل والمصير. كل اللقطات الإعلامية المصوَّرة، تركز فقط على مثالب وعيوب الطرف الآخر؛ لا يجري ذكر لأية حسنات أو صفات جيدة له.

تريد أن تفرض نفسها بالإقناع والإكراه والقوة والتعنت والعناد؛ بالسلاح والإرهاب إذا ما لزم الأمر. حتى وسائل الإعلام التي تحترم الآراء الأخرى، تقترف التحيز شبه المطلق.

تهدف للوصول إلى أنصار الأطراف الأخرى بغية استقطابهم أو استرجاع عقولهم لهم! يؤدي ذلك إلى الولوج في حروب «طاحنة»، أساسها إعلامي ووقودها عامة الدهماء؛ لا مجال للتراجع أو المهادنة أو التهاون فيها.

بناء على نجاح الإعلام الاستقطابي والعدائي للغير، انقسمت المجموعات العربية إلى عدة فئات. من هذه الفئات ما هو رئيسي فعال، ومنها ما هو جانبي أقل فاعليةً.

هناك إعلام ميكروسكوبي آخر مؤثر مع مرور الزمن عليه؛ يعمل مثل كرة الثلج المتدحرجة، يجمع حوله ما أمكنه. جميعاً تضخ وسائل الإعلام هذه إعلاماً يقض مضجع المواطن العادي، ويلهيه عن القيام بواجباته العادية تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه.

هنالك نزف اجتماعي واقتصادي وسياسي وحضاري، قادر بمجموعه أن يؤثر بشكل استراتيجي في مصير أمة عريقة طامحة للمجد. يستمر المجتمع في تقطيع أوصاله بنفسه، بقيادة مجموعات «موهوبة» من الإعلاميين، لكنها لا تحسب حساباً لتبعات ما يصدر من أبواقها الإعلامية.

الأمثلة على الانحدار الناجم عن إعطاء الحرية شبه المطلقة للفئات المتناحرة في التصرف لتبيان حقيقة ما يجري، واضحة للعيان. هنالك دول عربية رئيسية عدة زالت أو في طريقها إلى الزوال من الخريطة الجيوسياسية المؤثرة في المنطقة والعالم.

العراق ومصر وسوريا، كانت في ما مضى تشكل قوةً عربيةً واعدةً، قادرةً على لعب دور مهم في المعادلات السياسية الإقليمية والدولية. الدول العربية عموماً تدخل في دوامات حروب أهلية، وأصبحت تشكل عبئاً على المجتمع الدولي.

 النشاط الإعلامي المتطرف والفوضوي واللامبالي واللامسؤول، يملأ أجواء المنطقة. يدعمه إعلام دولي أكثر تطرفاً ولامبالاةً، بل وعداء إزاء القضايا والطموحات العربية. في هكذا حال يصدق في التغيير العربي المثل القائل: إن نحساً تعرفه قد يكون خيراً من حظ يأتيك، أو تأتي به، تجهله.

 

Email