الإمارات والسعودية.. تقارب استراتيجي لا تكتيكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تمر هذه الأيام بفترة من التقارب الكبير الذي لم تشهده منذ فترة من الزمن. مما جعل البعض يتساءل، هل هو تقارب تكتيكي مرحلي أم أنه تقارب استراتيجي طويل الأمد؟

من الطبيعي أن يكون هذا التقارب تحالفاً استراتيجياً بين البلدين، لأن مقومات التحالف الاستراتيجي من تشابه المصالح وتشابه القيم متوفرة في العلاقة بينهما؛ وسرعة وكثافة التقارب بين البلدين والتي كان آخرها إنشاء لجنة عُليا إماراتية ـ سعودية مشتركة لمواجهة التحديات أثناء زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للعاصمة أبوظبي إنما يشير بوضوح إلى أن التوجه السعودي الإماراتي توجه استراتيجي وليس تكتيكياً.

إن معايير التوجه الاستراتيجي تعتمد على تشابه القيم وتشابه المصالح بين الدول. فالدول الخليجية جميعها تعتمد على قيم سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مشتركة، وكذلك فإن مصالح كل من الإمارات والسعودية ومعها بعض الدول الخليجية الأخرى متشابهة لحد بعيد، ومرد ذلك التشابه في التهديدات والمخاطر للأمن الوطني لتلك الدول.

هذا التشابه كفيل بأن يجعل العلاقة بين المملكة ودولة الإمارات استراتيجية وليست تكتيكية، وهذا يعتمد بشكل كبير على القناعة بين القادة بأن هذه القيم والمصالح بالفعل مشتركة وتتطلب العمل المشترك بينهم لمواجهة كل التهديدات والمخاطر المؤثرة عليها. والجميل في هذا التقارب هو أن المخاطر التي تواجه دوله واضحة بالنسبة لها، مما يساعد بشكل كبير على تعزيز التعاون والتقارب بينها.

وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى مجموعة من النقاط التي نعتبرها ضرورية لنجاح هذا التقارب واستمراره وهي:

أولاً، هذا التقارب الاستراتيجي من المفترض ألا يكون مقصوراً على دولة الإمارات والمملكة السعودية فقط، بل يجب جذب أكبر عدد ممكن من الدول الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام التي تشترك معها في القيم والمصالح. فالأخطار لا يمكن احتواؤها بالعمل بين البلدين، وحسب بل تتطلب العمل بشكل أوسع مع دول أخرى من الممكن أن يكون لها دور فاعل في المساعدة في احتواء مثل تلك الأخطار، لأن تلك الأخطار كبيرة ومتشعبة وبالتالي تتطلب حجماً دولياً أكبر من التعاون.

ثانياً، من المفترض ألا يؤثر هذا التقارب الاستراتيجي على منظومة مجلس التعاون الخليجي، بل من المفترض أن يأتي مكملاً لها أو معززاً لعملها التكاملي.

ولعل القناعة بالأخطار المشتركة بين هذه الدول من المفترض أن تؤدي إلى قناعة بضرورة التفكير الجدي في عملية تعزيز التكامل الخليجي من خلال تطوير مجلس التعاون ليصبح منظومة أكثر قوة عما هي عليه الآن. فالخطر كبير ويتطلب التضحيات في إطار عمل مجلس تعاون خليجي أكثر قوة ومتانة وتجانساً.

ثالثاً، إن مثل هذا التقارب لا يمكن أن ينأى عن مناوشات الآخرين لمحاولة إضعافه أو تفكيك عناصر قوته، هذا التقارب لا يمكن أن يكون مرضياً للبعض الذين يرون فيه تحدياً لهم، بل أن البعض سيعتبره موجهاً ضده، لذلك سيعمل جاهداً نحو محاولة إضعافه، إما من خلال التوغل في نسيجه الداخلي لخلق شق في بنيانه الحديث أو العمل مع أطراف دولية إقليمية أخرى لا يروق لها هذا التقارب لمحاولة خلق توازن من نوع ما.

لذلك فإن الأطراف في هذا التحالف يجب أن تبقى حذرة ومتيقظة لمثل تلك المحاولات ولا تمنح لها أية فرصة.

رابعاً، أن هذا التقارب لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا ظل نمراً على ورق، أي أنه بحاجة إلى أن تستمر أوجه التعاون والتنسيق بين دوله بشكل ثابت وملحوظ للجميع. فما تم من تدريبات عسكرية مشتركة، وإنشاء اللجنة العليا المشتركة، والتبادل الثقافي القائم كلها أمور إيجابية تعطي أنياباً لهذا النمر وترسل رسائل واضحة بأنه ليس مجرد تقارب بل هو بحق تحالف استراتيجي.

خامساً، إن نجاح هذا التقارب يتطلب العمل المشترك بين دوله ليتحقق التحالف الاستراتيجي بحيث لا تعمل كل دولة على حدة بعيدة عن الأخرى، فملفات المنطقة كثيرة ومتعددة وكل الأطراف متأثرة بمعظم تلك الملفات، وبالتالي فإن التعامل الفردي مع تلك الملفات بعيداً عن التنسيق مع الطرف الآخر من شأنه أن يضر بالتحالف القائم.

التقارب السعودي الإماراتي خطوة إيجابية نحو التقارب الاستراتيجي الذي لطالما كان ضرورة ملحة لدول الخليج العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التي تشترك في القيم والمصالح، وعليه فإن الأمل أن يكون هذا التقارب نواة لتعزيز التقارب الاستراتيجي الخليجي، وكل ذلك يتوقف على قناعة الدول بأن هذا التقارب هو تحالف استراتيجي وليس مجرد ردة فعل لظروف في المنطقة.

Email