القوى المؤيدة للسيسي وتبعات التأييد

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتسم خريطة الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر، بالتعقيدات البالغة المرتبطة بثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها من أحداث وتطورات عديدة. ويعيب الساحة المصرية السياسية الآن، عدم وجود خريطة واضحة للتوجهات السياسية للجماهير نحو مرشحي الرئاسة، عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، رغم ارتفاع أسهم الأول والاحتمالات الكبيرة لوصوله إلى سدة الحكم في مصر، في مرحلة فارقة من تاريخها السياسي والاجتماعي.

والسؤال هنا: ما هي القوى السياسية والاجتماعية المؤيدة للسيسي؟ وهل يجب عليه فيما بعد وصوله للحكم تحمل تبعات مساندتها له، سياسياً واجتماعياً؟

الواقع أن أكثر القوى السياسية وضوحاً واندفاعاً في تأييد السيسي، هي قوى النظام السابق المرتبطة بالحقبة المباركية. فمن مصلحة هذه القوى، حتى وإن ابتعدت عن الظهور السياسي العلني، أن يستمر النظام السابق، وأن تحافظ على مكاسبها، على الأقل من أجل أبنائها وأحفادها.

والواقع أن ظهور هذه الجماعات على الساحة السياسية في مصر، مُضر بدرجة كبير لأي رئيس، ناهيك عن شخص السيسي الذي يرى فيه الكثير من المصريين صورة البطل السياسي المنقذ لمصر، في مرحلة بالغة الصعوبة من مراحل تاريخها المعاصر. فهل سيتحمل السيسي تبعات تأييد هذه الشرائح له؟ وقبل ذلك، هل تتحمل مصر مرة أخرى ظهور هذه الشرائح المتنفذة التي تُعتبر بشكل مباشر، أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير؟

إن خطورة هذه الشرائح أنها تمتلك المال كما تمتلك النفوذ السياسي والجماهيري والإعلامي، وكل هذه العوامل المختلفة تساعدها على إثارة حالة من التهييج والبلبلة والوصم والانتقام، وكلها عوامل لن تصل بمصر إلى بر الأمان والاستقرار المنشودين.

تلي هذه القوى السياسية قوى الشباب، التي يجب أن يُحسب حسابها بشكل كبير الآن. وهذه القوى منقسمة على ذاتها انقساماً كبيراً ومتضارباً؛ فالبعض منها مؤيد للسيسي والبعض الآخر مؤيد لصباحي، والبعض الثالث منسحب ومحبط وربما مضطرب التفكير. والواقع أن القوة التي يجب لأي مرشح في مصر أن يعمل لها ألف حساب هي قوة الشباب؛ فإهمالهم والتعامل معهم، إما بمنطق التجاهل أو منطق التحامل أو الرفض أو العنف، مسألة سوف تقود مصر إلى كارثة في العقود القادمة.

وإذا كانت عناصر القوة الأولى من بقايا نظام مبارك تحمل الشباب مسؤولية كل الفوضى الحادثة في مصر، وتصل إلى اتهامهم بأفظع الاتهامات، فإن الحكمة والكياسة تفرضان على أي رئيس قادم في مصر أن يضع في الاعتبار أهمية هذه الفئة الاجتماعية، وحجم تأثيرها على مستقبل مصر، بل وضمان استقرارها.

يلي ذلك الناخبون الذين تحركهم توجهاتهم الدينية ومصالحهم الشخصية، مثل الإخوان والسلفيين والأقباط. فرغم ما يعلنه السلفيون من المنتمين مثلاً إلى حزب النور أو الجماعات الأخرى مثل «إخوان بلا عنف»، من انتخاب للسيسي، وما أعلنته الكنيسة المصرية من عدم تدخلها في العملية الانتخابية تاركة كامل الحرية لأفرادها في انتخاب من يرون، فإن الواضح أن كافة هذه الأطراف تعلم تمام العلم من ستنتخب ومن ستعارض.

فمن الصعوبة بمكان تصور انتخاب السيسي من قبل الكثير من المنتمين للجماعات الدينية الإسلامية، كما من الصعوبة تصور أن تبتعد الكنيسة المصرية عن مؤازرة السيسي في الانتخابات المصرية القادمة. وعموماً فإن الواضح الآن، رغم الاختيارات الانتخابية المختلفة والمسبقة لهذه القوى الدينية، هو أنها تحاول أن تنأى بنفسها، ولو شكلياً على الأقل، عن معترك السياسة والمخاطر المرتبطة بها، من أجل الحفاظ على هيبتها وحجم تأثيرها المجتمعي الديني، رغم الصعوبات المرتبطة بالمداراة والمناورة الآن.

بعيداً عن كافة هذه القوى الاجتماعية والسياسية والدينية، تبقى الكتلة الأهم في المجتمع المصري، ألا وهي الكتلة الشعبية الضخمة من ملايين المصريين، الذين تحركهم بطونهم، ويعتصرهم الفقر، وتشغلهم هموم الحياة اليومية بشكل متواصل.

معظم المنتمين لهذه القوة من الفقراء والمعدمين وأبناء الطبقة الوسطى الدنيا، وربما الوسطى الوسطى، يلهثون وراء الاستقرار والعودة لأي وضع سياسي طالما يوفر لهم قوت يومهم ويستر لهم حياتهم.

هؤلاء هم القنبلة الموقوتة القادمة في مصر، وربما في الكثير من الشعوب العربية الأخرى التي لم تصلها موجات الربيع العربي. يميل هؤلاء المنهكون بدرجة كبيرة، ناحية اختيار السيسي رمزاً للاستقرار والعودة السريعة بمصر إلى وضع اقتصادي مقبول.

وهم يرون فيه شخص المنقذ مما يحدث في مصر الآن، وتميل مخيلتهم الشعبية البسيطة والمنهكة إلى الربط بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر.

ورغم أهمية هذه الكتلة، فإنها لن تصبر أمام أي رئيس يزيد من فقرهم ويحملهم أعباء أية سياسات اقتصادية قادمة. هذه بعض ملامح القوى الاجتماعية والسياسية في مصر الآن، فهل يستطيع أي رئيس قادم المواءمة في ما بينها من أجل تحقيق النجاة لمصر أولاً ولنفسه ثانياً؟!

Email