معضلة الأمن الخليجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأمن هو غياب التهديدات للقيم الرئيسية للأفراد والمجتمعات؛ وفي الحالة الخليجية فإن الأمن الخليجي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا المعنى، حيث إن الحديث عن تعرض أمن الخليج للخطر هو تعبيرٌ واضحٌ عن تعرض القيم الرئيسية في المنطقة الخليجية للخطر.

فعند الحديث ـ على سبيل المثال ـ عن الخلل في التركيبة السكانية أو طبيعة الاقتصاد غير التنموي أو انتشار المخدرات والسلاح أو ندرة المياه والغذاء أو الاعتداءت والتدخلات الخارجية فإن ذلك كله يعتبر أخطاراً تؤثر على طبيعة القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية القائمة في المنطقة.

وعليه تصبح المنظومة الخليجية برمتها متأثرة وليست دولاً بعينها دون غيرها ويصبح أمنها مهدداً. إن معضلة منطقة الخليج العربي مردها الأساسي الفصل الواضح بين ما هو أمن وطني لكل دولة خليجية على حدة وما هو أمن إقليمي لدول المنطقة جميعها.

هذا الفصل من المفترض ألا يكون حاضراً في منظومة الأمن الخليجي لسبب أساسي وهو أن المنطقة هي منظومة أمنية إقليمية واحدة، وذلك بسبب الموقع الجغرافي المتمثل في وقوع دول الخليج العربي في رقعة جغرافية واحدة ومترابطة، الأمر الذي أدى إلى تحقيق تجانس كبير بين دول وشعوب المنطقة في المجالات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

وعليه فإن ما يحدث في المنطقة من تهديد لأمن دولة بعينها إنما يشكل تهديداً لجميع الدول الخليجية من دون استثناء، وتصبح المنظومة الخليجية برمتها متأثرة وليست دولاً بعينها دون غيرها. هذا ما لا يُعمل به في الوقت الراهن في المنطقة الخليجية، حيث إن كل دولة تنظر إلى أمنها الوطني بمعزل عن الأمن الإقليمي للدول الأخرى في المنطقة.

فمن هنا يستمر الحديث عن وجود خلل في أمن المنطقة، حيث إنه لا يتحقق التكامل في التعامل مع التهديدات بشكل جماعي، فتسعى كل دولة للتعامل وفق منظورها الخاص الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالأمن في دول خليجية أخرى سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر.

لذلك فإن الأمن الخليجي الجماعي يتطلب العمل المشترك في مواجهة الأخطار والتهديدات كافة التي تهدد أمن أية دولة خليجية باعتبارها أخطار وتهديدات جدية للمنظومة الخليجية بأسرها.

في هذا الإطار فإن أحداث ما يسمى بـ "الربيع العربي" قد أنتجت تهديدات جدية للقيم الرئيسية في المنطقة الخليجية لاسيما لقيمة فكرة الدولة وأساسها الأيديولوجي الذي تتشكل من خلاله الدول الخليجية. فالدول الخليجية جميعها دول محافظة في أيديولوجيتها التي تقوم عليها وخاصة في المجال السياسي. فالنظام السياسي في المنطقة الخليجية نظام وراثي يعتمد على الفكر المحافظ.

وبالتالي فإن أي تأثير على هذا النظام من دون مباركة من النظام السياسي يعتبر تأثيراً سلبياً على قيمة رئيسية من قيم الدولة ألا وهي قيمة الاستقرار السياسي المتولد من طبيعة النظام السياسي المحافظ، وعليه يشكل ذلك تهديداً لأمنها.

بالإضافة إلى ذلك فإن التهديد لقيمة الدولة الوطنية يعتبر أيضاً مهدداً واضحاً للدول الخليجية، حيث إن الدول الخليجية جميعها دول تركز على طبيعتها كدول وطنية، وبالتالي كل ما يمكن أن يعمل في إطار إبعاد الدولة الخليجية عن طبيعتها تلك يعتبر مهدداً واضحاً لها.

فأي فكر يتعدى الدولة الوطنية يؤثر بشكل واضح على فكرة الولاء والانتماء للوطن وذلك لصالح أفكار أخرى خارج نطاق حدود الدول. إن دول الخليج العربي بحاجة إلى أن تخلق استراتيجية مشتركة لأمنها الإقليمي عن طريق التوافق حول الأطر المشتركة والعمل على أساسها. ولدى دول الخليج الكثير الذي يمكن أن تحققه في هذا المجال.

الأمر بالطبع ليس بالهين ولكنه في الوقت ذاته ليس بالمستحيل، فلو تمعنت دول الخليج كلٌ على حدة في طبيعتها وتركيبتها المتشابهة مع بعضها البعض لأيقنت كل واحدة منها أن مصلحتها متشابهة، ولنجحت هذه الدول في بناء تحالف استراتيجي إقليمي قوي قادر على ليس فقط مواجهة التحديات والأخطار والتهديدات وإنما العمل أيضاً على منعها من البروز

. وعندها تستطيع المنطقة تجاوز معضلتها الأمنية. وهذا ما يتمناه الخليجي لاسيما مع التوقيع على اتفاق الرياض من قبل دول الخليج جميعها الذي يحمل مبادئ أساسية من الممكن أن تكون بمثابة النواة للتحرك المشترك لمواجهة الأخطار والتهديدات والتوصل إلى منظومة الأمن الجماعي.

 

Email