إرهاب ضد إرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أكثر من عقدين من السنين، اتخذت الحرب على الإرهاب منحى سياسياً إعلامياً عقائدياً، في اتجاه استهداف فئة بعينها؛ بالذات ارتبط مصطلح الإرهاب بالأنشطة والأفكار العربية والإسلامية. استعرت الحروب الإعلامية والنفسية والمعنوية والعسكرية في هذا الاتجاه المثير للجدل منطقياً، والمرفوض بتاتاً من قبل الفئات والكتل الإسلامية المستهدَفة. أُلصق مصطلح الإرهاب بالسحنة العربية، والشخصية والهوية الإسلامية، بشكل مخطَّط له من قبل جهات محلية وإقليمية ودولية.

اختلط الحابل بالنابل، إذ هنالك إرهاب دولة، وإرهاب مجموعات سياسية، وأخرى عقائدية؛ وثمة أكثر خطراً فئات غامضة مثيرة للجدل، تُستحدث هنا وهناك.

حتى الآن لا توجد جهة أو محكمة أو هيئة دولية محايدة ونزيهة، تبت في الأمور وتوجه أصابع الاتهام إلى مرتكبي الجرائم الإرهابية؛ بعيداً عن الفئوية والجهوية والحزبية السياسية والإعلام السياسي. ذهبت كل الأمور في اتجاه الاستفراد بالمجموعات الإسلامية، الفكرية والسياسية، وحتى الدينية الملتزمة إيماناً وجدانياً. انتشرت بين الأجيال عبر العالم، فكرة مفادها أن العقيدة الإسلامية تشكل مصدراً للعنف الفكري، وأن الشعوب الإسلامية تشكل حواضن طبيعية للأنشطة الإرهابية. ذلك ما يضع المسلمين في مواجهة ساخنة مع مختلف الفئات والمجموعات البشرية، دولياً وإقليمياً وحتى محلياً.

منذ بدء الحرب العلنية الشاملة على الإرهاب، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، اندلعت عدة حروب بشكل مباشر، وأخرى تم إيقاظها والتصرف بها بشكل غير مباشر. عمت هذه الحروب عدة دول، تركزت في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا وآسيا، وحتى في عمق إفريقيا. منها ما أخذ أسماء، مثل ثورات الربيع العربي؛ وأخرى نشأت بتحريض ومباركة ضمنية من القوى العالمية، مثلما يحدث في إفريقيا الوسطى ومالي والنيجر ونيجيريا.

أينما كانت هنالك مجموعة إسلامية على شكل أقلية أو حتى أغلبية مهمَّشة سياسياً، اتجهت بوصلة الحراك والتحريك العنيف إليها. طبول الحرب تكاد تُقرع الآن في كل موقع عربي أو إسلامي؛ منها ما بين الفئات الإسلامية، وأخرى مع العقائد والمذاهب والديانات الأخرى. كلما همَّ أو هرول أحدهم نحو الحرب على فئة عربية أو إسلامية، سارع ليعلن أنه يحاول قتل الإرهابيين أو وأد خططهم في عقر بيوتهم.

مئات ملايين المسلمين عبر العالم، أصبحوا ضحايا للحرب الكونية على الإرهاب. اتخذت أشكال الضحايا القتلى والجرحى، المنكوبين في الممتلكات والمصائر، التهجير قسراً من البيوت والأوطان، وأغلب الظن والتوقعات أنه بلا رجعة.

يدل ذلك على أن الشخصية العربية والإسلامية هي من الرخص بحيث يمكن الاستهتار والتضحية بها، بغض النظر عن مصدر الحرب والإبادة. هنالك كيانات ودول وأمم ومجموعات مهددة في أرزاق أبنائها ومستقبل أجيالها، وبشكل ينذر فقط بحدوث كوارث بهذا الشكل أو ذاك. تكاد الدول العربية كافة تقع في مرمى الإرهاب والإرهاب المضاد، وذلك ما يهدد حوالي 300 مليون نسمةً بشكل مباشر، وغير مباشر ثمة بشكل حاد. الغريب في الأمر أن الكيانات والشعوب العربية، تُقبل مبتهجةً على مشروع سَوْقها نحو غياهب المجهول، في الإرهاب والإرهاب المعاكس.

الحرب على إرهاب، هي حقيقة إرهاب منظم وعالي التقنية على "إرهاب شبح"، تم التطبيل له إعلامياً بشكل واسع. تكاد لا تخلو وسيلة إعلامية من مساهمة فعلية رئيسية في "الحرب على الإرهاب". الدول والكيانات الكبرى متورطة، بل غارقة في التخطيط له وتطبيقه، وبأقل التكاليف عليها.

بات العرب والمسلمون سلعةً رخيصةً وسهلة القيادة نحو مصيرهم المجهول. يتسابق معظم الحكام والشعوب نحو نحر بعضهم البعض، على مذبح مصطلح الحرب على الإرهاب. يستخدمون العبوات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والبراميل المتفجرة، وغيرها من وسائل التدمير للإسراع في الاستئصال والاجتثاث.

ما يجري في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وغيرها من البلدان، ما هو إلا تطوُّع من جهتيْ الشعوب والحكام نحو القضاء على بعضهم البعض، في محاولة لاجتثاث "إرهاب الآخر" من جذوره في تلك الكيانات.

حتى يفيق القوم على حالهم ومآلهم ومصيرهم، ويقوموا بخطوات تصحيحية، ما على المرء إلا أن يصبر ويصمد، يكابد ويعاني ويتجرع الأمرّين.

Email