جماعة الأمن والتكامل الخليجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحد أهم المفاهيم في حقل العلاقات الدولية هو مفهوم جماعة الأمن أو مجتمع الأمن Security Community وهو المفهوم الذي يرتكز عليه كتاب ومنظرو الفكر الأمني، لا سيما الأمن الإقليمي في دراسة حال التكامل الإقليمي في إقليم معين.

فدرجة التكامل تعتمد بشكل كبير لدى أصحاب هذا الفكر على مدى وجود ممارسة واضحة للأمن الجماعي بحيث يصبح الإقليم جماعة أمن واحدة.

جماعة الأمن تعني أن الدول التي تقع في إقليم معين تشعر بالأمان في علاقتها مع بعضها البعض، بحيث تضمن الدول الصغيرة والضعيفة في الإقليم سلامتها وأمنها واستقرارها من بطش وهيمنة الدول الكبرى أو الأقوى في الإقليم.

فالإقليم يصبح خالياً من التهديدات البينية بين دوله بعضها البعض. وهذا شرط أساسي من شروط تحقيق التكامل الإقليمي، فلا يمكن لأي تكامل إقليمي أن ينجح في حالة انعدام الثقة بين الأطراف في أمنها وعلاقتها السلمية مع بعضها البعض.

ولعل أوروبا تعطي المثل الأبرز في تكاملها الإقليمي من خلال اتحادها الأوروبي الذي استطاع أن ينقل أوروبا من منطقة تتناحر فيما بينها ويغزو قويها صغيرها إلى منطقة تنعم بأعلى درجات الأمن والاستقرار في علاقة دولها ببعضها البعض.

لقد استطاعت أوروبا أن تحقق ذلك الهدف من خلال وصولها إلى المستوى الذي أصبحت فيه المنطقة جماعة أمن واحدة. لذلك يسعى الجميع في أوروبا وحولها من الدول السعي للانضمام لهذا الاتحاد، الذي أصبح من أهم الأدوات لضمان أمن الدول الأوروبية واستقرارها.

هذه الحالة تختلف عن التكامل الإقليمي في مناطق إقليمية أخرى، فما زالت النزاعات الإقليمية، لا سيما الحدودية منها تتسبب بشكل واضح في إضعاف حالة التكامل هناك، بحيث لا تستطيع الوصول إلى الحالة الشبيهة بالتكامل في أوروبا.

ومن ضمن هذه المناطق منطقة الخليج العربي التي استطاعت دوله الخليجية العربية المنطوية تحت لواء منظومة مجلس التعاون أن تحقق درجات عالية من التكامل فيما بينها، إلا أنها ما زالت دون الطموح، حيث لم تنجح بعد في تحقيق المستوى المطلوب من التكامل الأمني المشترك.

فالدول الخليجية مازالت بعضها لديها من المشاكل الحدودية البينية التي تعيق ضمان قيام أمن خليجي مشترك، واستراتيجيات دول الخليج الأمنية مازالت معظمها تعتمد على المنظور الفردي وتستند إلى الترتيبات الثنائية بين كل دولة والدول الكبرى، ومازال بعض عدم الثقة قائم بين الأطراف وفي نوايا الآخرين.

حيث لم تستطع أن تتبنى مواقف مشتركة تجاه قضايا محورية تهم أمنها الإقليمي، إلى درجة أنه لا يبدو أن هناك قناعة كافية لدى بعض دول الخليج العربية بأن أمنها مرتبط ببعضها البعض، وأن تهديد أمن إحداها هو تهديد لأمن الدول جميعها.

 

لذلك فإن السعي الخليجي نحو تحقيق هدف الاتحاد الخليجي الذي تسعى له الدول الخليجية مع دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للانتقال بمجلس التعاون من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد تتطلب أولاً وقبل كل شيء تحقيق الشعور بالأمن والاستقرار في علاقة الأطراف مع بعضها البعض.

وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من قبل تنازل الدول الكبيرة للدول الصغيرة، وتقديم ضمانات بأن أمنها واستقرارها مصون ومحمي من نزعة الهيمنة.

إن الوصول إلى جماعة الأمن هو الهدف الذي يجب أن تسعى دول الخليج العربية إلى تحقيقه حتى تتمكن من تحقيق هدف الاتحاد فيما بينها. العملية بالطبع ليست سهلة ولكنها لا يمكن أن تكون مستحيلة، فإذا كانت أوروبا المتناحرة قد نجحت في ذلك، فما المانع أن ينجح بين دول الخليج الأكثر تجانساً وتقارب!

إن الوصول إلى جماعة الأمن هو الخطوة الأساسية نحو الدفع نحو التكامل الخليجي القوي، وغير ذلك سيبقى التكامل الخليجي على ما هو عليه ودون الطموح.

 

Email