هل تخطّط أيادٍ أجنبية وإقليمية لانهيار مصر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقال إن المرء لا يكتشف أصدقاءه الحقيقيين إلا في أوقات المحن، وهذا ينطبق على البلدان أيضاً.

اليوم تخوض الحكومة المصرية معركة ضد تمرّد يقوده "الإخوان المسلمون"، ويمكن له، في حال كُتِب له النجاح، أن يدفع بالبلاد نحو أتون الحرب الأهلية.

لقد لجأت أقلية سائبة إلى العنف كي تأخذ الأكثرية رهينة لديها، وشهد الشهر الماضي تصاعداً في التفجيرات التي استهدفت الشرطة، والتي تُتَّهم بتنفيذها جماعة "أنصار بيت المقدس" الإرهابية المتحالفة مع الإخوان، ويُعتقَد أنها تحصل على التمويل من خيرت الشاطر، نائب المرشد الأعلى للإخوان سابقاً.

عندما التقى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بوزير الخارجية الأميركي جون كيري في نوفمبر الماضي، شدّد على أن مصر مهمة جداً إلى درجة أنه لا يمكن السماح لها بالفشل والتخبط، لهذا قدّمت المملكة، إلى جانب دولة الإمارات والكويت، دعماً دبلوماسياً ومالياً للسلطة الانتقالية.

وغني عن القول إنني قلقت جداً لدى قراءة تقرير في صحيفة "الخليج" في 30 يناير الماضي، عن اجتماع عُقِد مؤخراً بين أجهزة الاستخبارات القطرية والتركية والإسرائيلية التي التقت، بحسب المعلومات، لمناقشة كيف يمكن لبلدانها أن تقدّم الدعم الأفضل لجماعة "الإخوان المسلمين" الخارجة عن القانون.

يسلّط التقرير الضوء أيضاً على موقف رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان، الذي يبدي حرصاً على استمرار تأمين التمويل للإخوان عن طريق الحقائب الدبلوماسية، نظراً لتجميد الأصول والحسابات المصرفية العائدة لما لا يقل عن 702 قيادي في جماعة "الإخوان المسلمين"، وأكثر من ألف منظمة أهلية تابعة لهم. وجرى التطرّق أيضاً خلال الاجتماع إلى تزويد الإخوان بالسلاح والمدفعية، بما يتيح لهم التسبّب في مزيد من الفوضى وحمامات الدماء.

إذا تبيّن أن هذه الأخبار صحيحة، فهذا أمر خطير ويدعو فعلاً للقلق. لا يُعقَل أن نصدّق أن عصبة من عملاء الاستخبارات الأجنبية، اجتمعت لتدبير مؤامرات ضد دولة عربية تتخبّط من أجل الوقوف على قدمَيها من جديد.

الجهة الوحيدة الغائبة عن هذا المحور هي إيران، ففي حال تدخّلت سوف يتحوّل هذا التجمّع عدواً فتّاكاً لجميع الدول العربية المعتدلة. يتعذّر أن نضع تحليلاً دقيقاً لهذا التضامن الذي تظهره قطر وتركيا بالتعاون مع إسرائيل، حيال جماعة "الإخوان المسلمين" التي انبثقت عنها حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في مصر، كما أنها ألهمت قياديي تنظيم "القاعدة".

وكتبت صحيفة "الوطن" أن استضافة أردوغان لاجتماعات ومؤتمرات "الإخوان المسلمين" على الأراضي التركية، تهدف لإضعاف الحكومة المصرية. لم يخجل رئيس الوزراء التركي المحاصر الذي اهتزّت قبضته على السلطة، من احتضان الإخوان، لا بل وصل به الأمر إلى رفع علامة النصر بأصابع يده الأربعة، في إشارة إلى ميدان رابعة العدوية. من الواضح أنه ينطلق من اعتبارات أيديولوجية شخصية، ولا يبالي بأن خطابه الحاد اللهجة ضد مصر يضرّ بالعلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدَين، ويؤدّي إلى تراجع العلاقات الدبلوماسية.

ليس هناك ودّ لإسرائيل مع الإسلام المتطرف، ومن المعلوم أنها تتعاون عن كثب مع الجيش المصري لإنقاذ شبه جزيرة سيناء من المتشدّدين المسلّحين.

ومن المعلوم أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية طالبت الرئيس الأميركي بعدم فرض إجراءات عقابية على مصر. فهل تخشى إسرائيل عودة القومية المصرية في حال وصول شخصية عسكرية مصرية محبوبة من الجماهير تُشبَّه بجمال عبدالناصر، إلى سدّة الرئاسة؟ أم أنها تناور على جبهتَين في محاولة منها لمنع مصر من الوقوف على قدميها؟

لكن ما يصعب استيعابه أكثر هو الموقف القطري المعادي لمصر. ليس سراً أن العلاقات الحميمة التي كانت تربط الدوحة بالقاهرة تدهورت إلى درجة القطيعة التامة بعد عزل محمد مرسي، الذي حصلت حكومته على مساعدات من قطر تصل قيمتها إلى 7.5 مليارات دولار، والتي يجري العمل حالياً على استعادتها من قبل قطر. الشهر الفائت، استدعت وزارة الخارجية المصرية السفير القطري لدى القاهرة، بعد صدور بيان عن الخارجية القطرية جاء فيه أن قرار مصر إعلان "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية هو "مقدمة لسياسة إطلاق النار على المتظاهرين بهدف القتل".

أنا على معرفة شخصية بأمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس وزرائها السابق الشيخ حمد بن جاسم، وأتساءل إذا كانا مع أمير البلاد الحالي، الشيخ تميم بن حمد، على علم بما يجري. فهل يعلمون مثلاً أن يوسف القرضاوي الذي يحل ضيفاً مكرّماً على الدوحة، تهجّم كلامياً على الإمارات العربية المتحدة التي لطالما دعمت قطر، الدولة الشقيقة، كما أن انتقاداته طالت مؤخراً السعودية؟

هل يعلمون أن قناة "الجزيرة" تحتفي على نفقتها الخاصة بقياديي "الإخوان المسلمين" الذين يتقوقعون في فنادق خمس نجوم؟

إذا لم يكونوا يدرون، فهذه مشكلة، أما إذا كانوا يدرون، فالمشكلة أكبر. لماذا يُسمَح لقناة "الجزيرة" بتدمير نزاهتها الصحافية من خلال هجومها المتواصل على الحكومة المصرية والمقابلات التي تجريها مع المتحدّثين باسم "الإخوان المسلمين" الذين يدّعون أنهم أكاديميون؟

ولماذا ترفض قطر تلبية الطلب المصري المشروع بترحيل القرضاوي إلى مصر فيما هو مطلوب بتهمة التحريض على قتل قوات الأمن المصرية؟

خيبة الأمل توصيف مخفّف، لا يعبّر فعلياً عن حقيقة ما أشعر به حيال الموقف القطري الداعم للإخوان. ينبغي لمجلس التعاون الخليجي أن يطلب من الحكومة القطرية تغيير سياستها، لأن سلوكيات عضو واحد في المجلس كفيلة بأن تؤثّر سلباً على المجلس بكامله. وعلى قطر أن تحسم إذا كانت التقارير التي تتحدّث عن تواطئها مع تركيا وإسرائيل ضد مصر، صحيحة أم لا.

وإذا كانت قطر حريصة على التضامن القائم ضمن دول الخليج، عليها أن تبيّن عن حسن نية عبر ترحيل القرضاوي وأتباعه إلى القاهرة، والمبادرة إلى وقف الهجمات الشديدة التي تشنّها قناة "الجزيرة" على مصر الحبيبة، مهد العروبة، التي لم يبخل أبناؤها بدمائهم خلال الحروب من أجل الحفاظ على كرامة الأمة العربية.

ختاماً، أناشد القيادة القطرية عدم التضحية بعلاقاتها الطيّبة مع جيرانها لمصلحة تنظيم فاشل يلفظ أنفاسه الأخيرة في مصر، وسوف يتلاشى قريباً عن الساحة الدولية. آمل أن يدرك إخواننا القطريون أن دعم الإخوان قضية خاسرة، والأجدى لهم أن يتذكّروا جيداً أننا نحن الذين حظينا بنعمة العيش في الخليج العربي، نشكّل معاً أسرة واحدة، وكياناً واحداً.. وسوف نبقى كذلك بإذن الله.

Email