تركيا المرتبكة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على أحد أن تركيا اليوم أكثر ارتباكاً مما كانت عليه في أي وقت سابق منذ قدوم حزب العدالة والتنمية للسلطة في البلاد. فحزب العدالة والتنمية الذي نجح نجاحاً باهراً في إحداث نقلة نوعية في الوضع الاقتصادي التركي وفي مستوى الحياة المعيشية للأتراك يعاني اليوم من حالة ارتباك أفضت إلى خلق إشكاليات أمامه رغم استمرار نجاحاته في المجال الاقتصادي.

مشكلة حزب العدالة والتنمية هي أنه يحاول فرض أجندته ويعمل على فصل تركيا عن هويتها الوطنية ومحاولة تكريس الهوية الإسلامية بفهم أحادي، على بلد قد حسم هذا الأمر منذ أكثر من سبعين سنة، وهو الخط الذي انتهجه الحزب وعمل على الدفاع عنه لا سيما مع مجيء طيب أردوغان للحكم كرئيس للوزراء.

ويضاف إلى ذلك أن تركيا لم تكتف بإعادة بناء بيتها الداخلي بل عملت على صياغة شرق أوسط يتماشى مع الطموحات التركية الجديدة لاسيما في دعم تغيير الأنظمة في الدول العربية لصالح الفكر الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية وهو فكر الإسلام الإخواني.

لكن اندفاع تركيا نحو ذلك الهدف خلق لها مشكلات جديدة لم تستطع مواجهتها. أول هذه المشكلات هي توتر علاقات تركيا مع دول الجوار التي كانت تركيا تتمتع معها بدرجة من العلاقات الطيبة في السابق مثل إسرائيل وسوريا وإيران والعراق.

فإصرار الحكومة التركية على دعم الإخوان المسلمين في فلسطين فتح لها باباً من التوتر في العلاقة مع إسرائيل التي كان البلدان، ومنذ فترة طويلة، يتميزان بعلاقات تعاون استراتيجية كبيرة بينهما.

ودعم الحكومة التركية للمعارضة المسلحة في سوريا ضد نظام بشار الأسد أدخل تركيا في عداء مع النظام السوري وفي حالة توتر في العلاقة مع حليف سوريا الرئيس ألا وهو إيران الذي تعتمد تركيا عليه في تزويدها بالطاقة من النفط والغاز.

بالإضافة إلى ذلك فإن التعاون السابق بين تركيا والعراق قد واجه تحدياً واضحاً في الفترة الراهنة بعد أن بدأت تركيا تنتهك السيادة العراقية في سبيل تعقبها للقوات الكردية في شمال العراق، وتهميشها لدور الحكومة المركزية في العراق في مسألة عقود النفط.

ولم تتوقف حالة الارتباك التركي تلك عند العلاقة مع الخارج بل جاءت أيضاً لتلقي بظلالها على حال الوضع الداخلي.

فمحاولات حزب العدالة والتنمية لأسلمة السياسة التركية الداخلية والخارجية وتوتير العلاقة مع بعض الشركاء الخارجيين خلق عداوات في الداخل التركي من قبل الوطنيين من جهة الذين رأوا في الخط التركي انحرافاً عن الخط الوطني الأتاتوركي، ومن قبل بعض الأطراف الإسلامية من جهة أخرى التي اعتبرت أن الخط الإخواني الذي ينتهجه حزب العدالة والتنمية غير مقبول لديها.

لذلك شاهدنا مظاهرات من قبل الوطنيين ضد سياسات أردوغان، وشاهدنا أيضاً بروز فضائح الفساد التي وجهت لأفراد في حكومة الطيب أردوغان كان وراءها حلفاء الأمس من الإسلاميين الأتراك.

=هذه الحالة خلقت وضعاً تركياً صعباً للغاية، فتركيا لم تعد قادرة على تحييد إسرائيل لصالحها؛ وبدعمها للمعارضة السورية وتقويضها لقوة الأسد أصبحت الجماعات المسلحة المتشددة تسيطر على أجزاء كبيرة من الحدود المشتركة بينها وبين سوريا، الأمر الذي من شأنه خلق هاجس أمني كبير لتركيا لاسيما وأنها أصبحت عرضة لدخول الفكر المتشدد والسلاح لأراضيها.

كما أنها لم تعد قادرة على أن تزيد من توتر علاقتها مع إيران وهي التي تعتمد عليها في الحصول على النفط والغاز وفي التسويق لمنتجاتها كسوق مهمة لها.

بالإضافة إلى ذلك كله فإن الاستثمار الكبير الذي استثمرته الحكومة التركية في الترويج لحكم الإخوان في مصر ـ الدولة العربية المحورية ـ قد تمت خسارته بشكل فادح مع رفض الشعب المصري سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة المصرية، والدعم الكبير الذي حصل عليه الشعب المصري من الخارج لتحركه لاستعادة هيبة الدولة المصرية الوطنية.

=من ذلك كله يتضح جلياً أن الحكومة التركية تعيش في فترة لا يحسدها عليها أحد، لذلك فهي تحاول لملمة الأمور لصالحها من خلال الضغط على المعارضة للمشاركة في جنيف ٢، ومن خلال محاولة فتح صفحة جديدة مع إيران من خلال زيارة رئيس الوزراء التركي الأسبوع الماضي إلى طهران.

تحركات وإن كانت تأمل من ورائها أنقرة أن تحسن الوضع لصالحها إلا أنها جاءت متاخرة نوعاً ما، حيث إنها لن تستطيع أن تُصلح كل ما تم إفساده.

 

Email