العلاج بالكي في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الغزو الأنجلو ـ أميركي للعراق عام 2003، والأوضاع في المنطقة عموماً تزداد سوءاً وتعقيداً، يوماً إثر يوم. لم تفلح الحكومات العراقية المتعاقبة، الجماعية والفردية، في الحد من تفاقم الأمور في القطر العراقي. طال نحس الأحوال كافة الشرائح الاجتماعية العراقية.. هنالك الفساد ينخر في عضد الدولة والشعب، بشكل يهدد الوجود الديمغرافي العراقي.

اجتماعياً وحقيقة واقعة، بات العراق مُقسَّماً مُشرذَماً يعادي بعضه بعضاً؛ أواصره تعاني التوتير والتشنيج والتقطيع، بأيدي وأبواق قادته الدعائية. أقل ما يمكن أن يقال بشأن النظام السياسي العراقي الحالي، هو أنه فاشل بحدة وفي مختلف الاتجاهات.

فشل في تحقيق المصالحة والسلم الاجتماعيين بين مكونات الفسيفساء العراقية. لا توجد أية خطة ناجحة لزحزحة وضع الاقتصاد شبه المشلول. العلاقات مع دول الجوار والعالم يمكن تصنيفها في خانة الأسوأ عالمياً؛ تسيطر الطائفية الضيقة على النظرة والعقلية والمنهجية للعلاقات مع الغير. هنالك فشل حاد في مجال تقديم الخدمات العامة، مما يهدد مستقبل المجتمع الحضاري والمدني، لدى نفسه وأمام الآخرين.

عانت المنطقة، والإقليم المجاور والأوسع، من تبعات نشر الفكر الطائفي المسموم المحموم. بسبب هذه المنهجية الخرقاء، تواجه أجيال المنطقة مستقبلاً غامضاً وقاتماً؛ فكرياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً، وعقائدياً.

يواجه الحكم في العراق مشاكل خطيرة مع شعبه بالدرجة الأولى والثانية، إلى ما قبل الأخيرة. منذ البداية اتخذ موقفاً معادياً حتى النخاع، لوجود شريحة أو شرائح اجتماعية كبيرة وعريقة؛ اعتبرها عدوه اللدود. لجأ لسن قوانين وتشريعات وتطبيق إجراءات تجتث وتستثني وتقصي، أو تهمّش، فئات حاسمة في المجتمع؛ سياسياً وأمنياً وفكرياً وحتى مهنياً. ذهب أكثر من ذلك ووضع نفسه في مواجهة شرسة مميتة مع أطراف مهمة في المجتمع، وأنصار لتلك الأطراف محلياً وإقليمياً ودولياً. اتبع أسلوب المغالاة والتطرف والتشدد في تطبيق رؤيته الخاصة. زج بأعداد قياسية من الخصوم السياسيين في السجون والمعتقلات، السرية والعلنية.

ارتكب في حقهم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان؛ وعلى الهوية بشكل صارخ!

آخر أخطاء النظام السياسي العراقي، كان تجاهُل مطالب مشروعة لكتلة كبيرة في المجتمع تعاني التهميش الحاد لدرجة الإقصاء شبه الكامل. تبنّى النبرة الغربية الأميركية في مكافحة الإرهاب، واعتبر خصومه امتداداً لتنظيم القاعدة و»داعش» و»النصرة». أوصاف لا تؤدي بأركان النظام الحالي وأنصاره وأدواته، إلا إلى التشدد والتمادي في القمع.. هذه تُعتبر بمثابة إعطاء الموافقة على إعلان الحرب الشاملة على الخصوم.

زادت الأوضاع تفاقماً وتصاعدت وتيرة أعمال القتل الجماعي، والاغتيال وتفخيخ السيارات وحوادث التفجير الانتحارية و»محاكم التفتيش» الطائفية؛ المثير كل منها للجدل.

أخيراً لم يجد النظام مناصاً من استخدام الجيش والقوى الأمنية الأخرى، لاستعادة السيطرة والإمساك بزمام المبادرة. في المقابل، لجأ الطرف الآخر إلى العشائر العراقية للدفاع عن وجوده ورد الاعتبار لنفسه.

العشائر العراقية هي مكون أساسي في المجتمع العراقي، ديمغرافياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً وفكرياً، وهي ليست كينونةً أنثروبولوجية، كما يمكن أن يُنظر إليها اجتماعياً حديثاً. في تاريخ العراق لعبت العشائر دوراً أساسياً، بل مركزياً في الحصول على استقلال العراق من الاستعمار، والحفاظ على وجوده ووحدة أراضيه والدفاع عنه أمام الأطماع الخارجية، وحتى كبح جماح القلاقل الداخلية.

قسّم النظام السياسي الحالي في العراق البلاد إلى فسطاطين رئيسيين؛ لكل منهما أسد هزبر على شكل جيش جرار، يتربص أحدهما الآخر. يعرف كل منهما نقاط ضعف وقوة الآخر، في حال بدأت ساعة الصفر والحسم بالعلاج بالكي المتبادل المتوقع.

ذلك ما يضع البلاد والعباد في حال على الجميع أن يبقوا أيديهم على قلوبهم والتقاط أنفاسهم، والصلاة كثيراً لنجاة العراق والمنطقة من حوله، من مصير قد يصبح نحساً وغامضاً أكثر من أي وقت مضى.

اللجوء إلى حكماء القوم لدرء الأخطار، بات عبثياً أكثر من أي وقت مضى.. ذلك أن هؤلاء هم المسؤولون أصلاً عن نثر بذور وتوطيد واستفحال وباء الطائفية الحمقاء المدمِّرة، والاستفادة من تبعات الأوضاع المشينة الطارئة.

Email