إشارة رابعة!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لم يبدع الإخوان المسلمون في مصر منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن في شيء مثلما حدث في اختراع إشارة رابعة التي يُرمز لها برفع أصابع اليد الأربعة دونما الإبهام. وربما لم يبق من الإخوان بعد الثورة شيئاً سوى هذه الإشارة التي مازالت تثير الكثير من اللغط والاتهامات والصراعات.

آخر هذه المناوشات ما حدث أثناء نهائي كأس أفريقيا بين فريقي الأهلي المصري وأورلاندو الجنوب أفريقي، حيث قام اللاعب أحمد عبدالظاهر برفع إشارة رابعة بعد إحرازه الهدف الثاني في المباراة. وكالعادة في مصر الآن، اندلعت عاصفة من التعليقات بين مؤيد ومعارض؛ بين من يشجب سلوك اللاعب وبين من يمجده، بين من يرى فيه خلية نائمة وبين من يرى فيه بطلاً ثابتاً على المبدأ وجديراً بالاحترام.

بل إن الأمر وصل بالكثير من التعليقات، أو لنقل بالتحريضات، إلى إيقاف اللاعب وتوقيع الجزاء عليه أسوة بما حدث مع لاعب الكونغ فو المصري الشهير محمد يوسف الذي حصل على الميدالية الذهبية في بطولة العالم في موسكو وحرمانه من اللعب لمدة سنتين بعد استخدامه للإشارة نفسها.

وما حدث مع هؤلاء، يحدث على نحو صامت مع نجم الكرة المصرية محمد أبوتريكة، فهناك هجوم مبطن بشكل دائم عليه، ورغبة محمومة في النيل منه. بل إن هذا اللاعب لا يُذكر في مجال الرياضة إلا وتنهال التعليقات عليه بين مؤيد ومعارض، بين من ينل منه ومن سمعته، وبين من يبارك أخلاقه، ويدعو له بالتوفيق.

والسؤال هنا، هل النيل من الآخرين لمجرد معارضتهم لأفكارنا وتوجهاتنا، سوف يثنيهم عما يؤمنون به ويتعاطفون معه؟ الواقع عبر التاريخ يشير إلى العكس تماماً، وإلا لما استمرت جماعة الإخوان المسلمين ذاتها لعقود طويلة من الحياة والتكيف مع الكثير من الظروف والتحولات السياسية.

ما يحدث في مصر الآن يسير بنا وجهة أحادية الجانب، تصب للأسف في مجال التعاطف مع الإخوان. كما تخلق معارك وهمية لا طائل من ورائها إلا إثارة تساؤلات المواطنين الذين تنامى وعيهم السياسي بدرجة كبيرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.

وإذا كان واقع الأمر في مصر يكشف عن معارضة واسعة النطاق للكثير من المصريين تجاه الإخوان المسلمين وتوجهاتهم وسلوكياتهم، فإن هذا لا يعني النيل من كل من ينتمي لهم، أو لديه قدر من التعاطف معهم.

إن مسألة القلوب والهوى والتوجهات مسألة لا يمكن مواجهتها بالنيل من الآخرين وتقليل شأنهم والحط مما يقولونه. فإذا كان أغلب المصريين الآن قد أيقنوا بمخاطر المشروع الإخواني، ومخاطر التحولات العنيفة التي حدثت إبان حكمهم ووصولهم لسدة العنف، فإن هذا يستدعي الأخذ بالكثير من الأمور تجنباً للمزيد من العنف والشقاق.

أول هذه الأمور العمل السريع على التغيير السياسي الديمقراطي الذي يضمن لكل التيارات السياسية حقوقها وأمنها. وهذا هو المدخل الوحيد الذي يعيد للمجتمع لحمته وتماسكه، ويبرز للعالم أجمع أن هناك خارطة طريق حقيقية يتم تطبيقها بحذافيرها من دون تلكأ أو اعوجاج. إن هذا الأمر سوف يصحح الكثير من المخاطر التي تواجه مصر حالياً...

وبشكل خاص ما يحدث في الجامعات المصرية الآن. كما أنه سوف يجعل الكثير من المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها يعيدون النظر في أفكارهم، أو حتى ينخرطوا في العملية السياسية وفقاً لأفكارهم وتوجهاتهم من دون عنف أو تعدي على حقوق الآخرين.

فالأفكار والتوجهات والأهواء لا يتم التعامل معها إلا بالحوار. هذا لا يعني التراخي مع المخربين أو المعتدين على الأفراد والممتلكات العامة؛ الأمر يعني بشكل واضح مواجهة هؤلاء بكل حزم وقوة، أما من يستخدم فكرة أو مخالفة في الرأي أو حتى إشارة فله هذا من دون النيل منه أو الحط من كرامته.

الضرورة تحتم على المصريين الآن الإيمان بذلك، والدفع نحوه بقوة وإصرار، وإلا سوف نحول الكثير ممن يعيشون حولنا إلا "خلايا نائمة". وهنا مكمن الخطورة، أن نُجمد البشر لعقود من السنين، من دون أن نعرف هوياتهم وأفكارهم وقيمهم، حتى تحين ساعة الصفر بالنسبة لهم، ومن وجهة نظرهم، للقيام علينا والنيل منا، لنعيد كرة التاريخ المصري الذي لا تنتهي ملفاته، ولا تُغلق قضاياه.

الأمر الثاني المهم هنا، وارتباطاً مع ما سبق، هو ضرورة الإيمان بمبدأ المواطنة وعدم النيل منه، والتسامح والترفع على ما مضى. فالنظام السياسي الآن، بالتأكيد، في وضع أفضل عما كان عليه الحال منذ شهور قليلة. وهو ما يمنحه القوة والمزيد من الاستقرار، وهذا ما يلقي عليه تبعات الأخذ بناصية الأمور والدعوة للم الشمل..

والعفو عن السجناء الذين لم تثبت بحقهم أية تهم جنائية تجاه الآخرين، والعمل على ضبط الإعلام المصري المنفلت وتهدئة وتيرته.

بمثل هذا الشكل يمكن أن نحتكم لصوت العقل، لتعبر مصر ضائقتها الإنسانية بشكل هادئ وسلس، ومن دون أن تثيرنا وتقلقنا إشارة رابعة أو حتى خامسة!!

 

Email