قَرصـة دبلـوماسيـة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تثار هذه الأيام العديد من التكهنات حول توتر في العلاقة بين واشنطن والرياض مردها الغضب السعودي من المواقف الأميركية من القضايا العربية لاسيما تلك التي لا تتماشى مع الخط السعودي، مثل الموقف من نظام بشار الأسد والتقارب مع إيران والابتعاد عن دعم المؤسسة العسكرية المصرية.

السعوديون يرون أن هناك توجهاً سياسياً أميركياً يثير مخاوفهم، لاسيما مع غياب المصارحة الأميركية مع الرياض حول نوايا واشنطن، ففي النهاية هؤلاء حلفاء، والمصارحة والمكاشفة بين الحلفاء أمر في غاية الأهمية. لكن هل تعني هذه الحالة أننا يجب أن نخشى من انهيار العلاقة التحالفية القائمة بين الطرفين؟

لقد شهدت العلاقة بين واشنطن والرياض خلال السبعين سنة الماضية فترات من التراجع وأخرى من التقدم. وهذا حال أية علاقة بين دولتين كبيرتين تجمعهما مصالح مشتركة في إقليم حيوي كالإقليم العربي، بعضها بسبب مواقف تجاه قضايا محورية مثل القضية الفلسطينية..

وبعضها الآخر بسبب هفوات دبلوماسية من بعض المسؤولين الأميركيين. ولكن كل ذلك لم يؤد إلى إنهاء التحالف القائم بين الدولتين الذي أسس له الملك السعودي عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على ظهر البارجة الأميركية يو إس إس كوينزي في عام 1945 على ضفاف مياه قناة السويس.

في ذلك اللقاء اقتنع كل طرف بأهمية الطرف الآخر، وتأسست مع ذلك علاقة تحالفية قوامها النفط مقابل الأمن، حيث استمرت تلك العلاقة إلى يومنا هذا.

ورغم التصريحات الأخيرة التي خرجت وتداولتها وسائل الإعلام من قبل مسؤولين سعوديين من بينهم رئيس المخابرات الأمير بندر بن سلطان قوامها عدم ارتياح سعودي من التوجه الأميركي..

وأن هناك رغبة سعودية في إعادة تقييم العلاقة، وإعلان السعودية رفضها قبول المقعد غير الدائم في مجلس الأمن إلا أنه ليس هناك ما يمكن أن يشير إلى أن هذه الوعكة في العلاقة من شأنها أن تنهي أو تقلب المعادلة التحالفية بين البلدين رأساً على عقب. هذه ليست أول مرة تتذمر فيها الرياض من مواقف الإدارة الأميركية، حيث سبقها تذمر سعودي واضح من الموقف الأميركي من أحداث البحرين والتدخل الخليجي في ذلك البلد.

إلا أن ذلك التذمر وحالة التوتر التي نتجت عن بعض الإنتقادات التي خرجت من قبل بعض المسؤولين الأميركيين للتحرك السعودي لم تؤد إلى تغير العلاقة التحالفية القائمة بين البلدين.

كل من واشنطن والرياض تدرك جيداً أهمية كل طرف للآخر وحجم الأوراق التي يمتلكها كل طرف في التأثير على مجريات الأحداث في المنطقة العربية. لذلك لم يكن من الغريب على الإطلاق أن ترسل واشنطن وزير خارجيتها إلى المنطقة، وخاصة إلى المملكة، لترميم ما يمكن أن يعكر صفو التحالف القائم بين الطرفين. واشنطن تدرك أن السعودية ذات ثقل سياسي في المنطقة العربية..

حيث إن لديها من القوة ما يمكن أن يسبب ما لا يخدم المصالح الأميركية. فالسعودية أكبر منتج للنفط في العالم، وبالتالي فإن حجم إنتاجها سيكون له بالغ الأثر في السعر العالمي الذي يؤثر إيجاباً أو سلباً على الاقتصاد العالمي بما فيه الاقتصاد الأميركي؛ وهي طرف مؤثر في الحالة المصرية والحالة السورية والحالة اليمنية والحالة البحرينية، وهي أماكن تُعتبر حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة..

بالإضافة إلا أنها دولة لا تخفي نيتها في إمكانية رفع قدراتها العسكرية من خلال التحالف مع أطراف قد لا تود واشنطن أن تفقد السعودية لصالحهم مثل روسيا أو الصين..

ونيتها أيضاً على أن ترفع من قدراتها العسكرية لصالحها بالحصول على السلاح النووي من دول يمكن أن تقدم المساعدة للمملكة في ذلك مثل باكستان؛ كما أن دورها في محاربة الإرهاب يعتبر أساسياً للولايات المتحدة؛ وهي من أكبر المستثمرين في الاقتصاد الأميركي. لذلك لا يمكن لواشنطن أن تتنازل عن السعودية بأي ثمن ما كان.

وعلى الطرف الآخر فإن الولايات المتحدة هي أقوى قوة مُسيرة لشؤون العالم في الوقت الراهن، ولها حضور قوي في المنطقة الخليجية بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام..

وهي أهم مُصدر للتكنولوجيا العسكرية للرياض؛ وطرف محوري في الحفاظ على أمن الخليج ومواجهة إيران والحد من طموحاتها العسكرية؛ وطرف قوي في الحملة الدولية على الإرهاب؛ وهي مستثمر مهم في الاقتصاد السعودي لاسيما في مجال النفط. لذلك لا يمكن للرياض أن تتنازل عنها بسهولة.

إن ما أثير في الفترة الأخيرة ليس إلا قرصة دبلوماسية من قبل السعودية لحليفها الأميركي، مفادها أن على واشنطن أن تكون واضحة مع الرياض كل الوضوح لاسيما في الملفات التي يشترك الطرفان حولها في المصلحة. هذه القرصة أتت بنتيجتها مع زيارة كيري للمنطقة وتطمين المملكة بأن واشنطن ليست في مجال التشكيك في تحالفها القائم مع الرياض، وأن التوافق حول الملفات المشتركة مازال قائماً.

Email