الخليج والانفتاح الأميركي على إيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما ظل البعض في دول الخليج العربي حبيساً لفكرة هاجس الانفتاح الأميركي على إيران، مبررين ذلك الهاجس من أن يكون ذلك التقارب على حساب مصالح الدول الخليجية لاسيما في مجال القبول بالهيمنة الإيرانية على المنطقة الخليجية في مقابل تقديم تنازلات تحقق المصلحة الأميركية مثل وقف البرنامج النووي الإيراني والتعاون حول ملفات إقليمية أخرى.

ولعل هذا الهاجس تصاعد مع دخول واشنطن في معترك المحادثات الدولية حول برنامج إيران النووي مع مجيء الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وتصاعد بشكل واضح مع قدوم الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني وخطابه الاعتدالي في التعامل مع واشنطن ورغبته في الانفتاح عليها.

نظرتنا التحليلية لهذا الانفتاح تأخذنا إلى الاقتناع بأنه ليس في هذا الانفتاح ما يمكن أن يخيف دول الخليج العربي، بل نعتقد أن هذا الانفتاح يصب في صالح دول الخليج. إليكم التفسير لذلك. أولاً، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتقارب استراتيجياً مع إيران لأن كل طرف له نظرته الاستراتيجية المختلفة عن الطرف الآخر.

مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية هي في عدم هيمنة دولة معادية على المنطقة التي تسيطر على ما نسبته 30% من الإنتاج العالمي من النفط، و15% من الإنتاج العالمي من الغاز، وبها نحو 56% من الاحتياطي النفطي العالمي و40% من الاحتياطي العالمي من الغاز، وليس هناك في الأفق ما يمكن أن يشير إلى تراجع في الاعتماد العالمي على النفط والغاز بل أن الطلب العالمي متوقع له التزايد. وإيران صاحبة الفلسفة الثورية المناهضة للولايات المتحدة لا يمكن أن تقبل بالوجود الأميركي العسكري المكثف في المنطقة لأنه يقيد فرصتها في تحقيق مشروعها الهيمني.

لذلك فإن هناك اختلافاً واضحاً في التفكير الاستراتيجي بين الطرفين، الأمر الذي يجعل الانفتاح يقترب إلى كونه تكتيكياً وليس استراتيجياً. والحقيقة هي أنه ليس هناك من ضرر من أن تنفتح واشنطن تكتيكياً على إيران لأن الانفتاح التكتيكي هو لتحقيق أهداف آنية وليست أهداف استراتيجية من شأنها أن تغير العلاقة الاستراتيجية القائمة بين واشنطن ودول الخليج.

ثانياً، لا تتمتع إيران بقبول لدى المشرع في الكونغرس الأميركي ولا لدى الشارع الأميركي الذي يعتقد أن طهران تناور من أجل تحقيق مصالحها، وأن مصلحة واشنطن هي في دعم إسرائيل وأمنها من الخطر والتهديد الإيراني وفي الوقوف مع حلفاء واشنطن وشركائها في المنطقة.

جميعنا يدرك حجم التأثير الذي يتمتع به اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وهذا اللوبي يرفض الانفتاح الأميركي على طهران. من يحمل أجندة الانفتاح على إيران هو الرئيس الأميركي وليس الكونغرس الأميركي، وعليه فإن قدرة الرئيس أوباما في المناورة لصالح إقناع الكونغرس بالانفتاح على إيران سيصطدم برفض من قبل الكونغرس.

ثالثاً، هناك غياب للثقة بين الطرفين. الولايات المتحدة لا يمكن أن تدخل في علاقات جديدة مع إيران تضر بمصالحها مع دول الخليج ومع إسرائيل، في الوقت الذي تغيب الثقة بين البلدين.

واشنطن تدرك بأن ما يفعله روحاني ليس هو المهم وإنما الأهم هو ما يضمره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي. مفاتيح التغيير الإيراني الفعلية هي في يد المرشد وليس الرئيس، وواشنطن تدرك ذلك بشكل كامل.

وليس في نية المرشد ما يمكن أن يجعله يغيّر من خطابه الذي ظل يرفعه في مواجهة الولايات المتحدة منذ اندلاع الثورة في إيران، فهذا الخطاب يضفي شرعية على النظام الإيراني.

رابعاً، لا يوجد ما يمكن أن يجعل واشنطن تقدم تنازلات كبيرة لإيران من أجله. فكلنا يعلم بأن الانفتاح الأميركي على الصين في بداية السبعينات كان بسبب وجود عداء أميركي - سوفييتي محتدم، لذلك تقاربت واشنطن مع بكين بهدف مواجهة العدو السوفييتي.

يضاف إلى ذلك أن الخطر السوفييتي كان مشتركاً بين واشنطن وبكين، أي أن الطرفين كان بينهما مصلحة قوية مشتركة جعلتهما يتقاربان مع بعضهما البعض. أما في الحالة الإيرانية فلا يوجد ما يمكن أن يكون مصلحة استراتيجية أميركية وإيرانية مشتركة للتقارب مع بعضهما البعض. لذلك لا نتوقع لمثل هذا الانفتاح أن يكون أكثر من مجرد انفتاح تكتيكي آني ليس أكثر.

حيث إن الولايات المتحدة وخاصة رئيسها أوباما لا يود الدخول في مغامرات عسكرية جديدة وهو الذي جاء وفقاً لوعود بإخراج الوجود الأميركي من العراق وأفغانستان وليس إدخالها في حروب وإشكالات عسكرية جديدة.

وإيران تود أن ترفع حالة الضغط الاقتصادي الشديدة التي يعيشها الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها. فكلاهما يحمل أهدافاً تكتيكية وليست استراتيجية، وهو ما يجب أن لا يخيفنا في المنطقة الخليجية. وعلينا كذلك أن نتذكر بأن التقارب الأميركي مع الصين لم يأت على حساب أمن واستقرار تايوان ودول شرق آسيا الحليفة لواشنطن كاليابان وكوريا الجنوبية، بل أن واشنطن ظلت ملتزمة بتحالفها مع تلك الدول وبالحفاظ على أمنها من التهديدات الصينية إلى يومنا هذا.

إن مصلحة دول الخليج هي في الحفاظ على أمن المنطقة وإبعادها عن كل أشكال التهديدات بما فيها التهديد الإيراني بالهيمنة والسيطرة عبر امتلاكها السلاح النووي. فإذا كان هذا الانفتاح الأميركي سيؤدي إلى تحقيق هذا الهدف من خلال وقف البرنامج النووي الإيراني عندها سيصب ذلك في صالح الدول الخليجية، فإيران لا تستطيع الهيمنة على المنطقة إلا في حالة امتلاكها للسلاح النووي وغياب التوازن العسكري من قبل الطرف الخليجي، وغير ذلك إيران لا يمكن أن تكون مهيمناً على المنطقة التي بها من القوة لدى الدول الخليجية ما يكفل ردعها.

ولكن بالطبع لابد على دول الخليج أن تظل تذكر الإدارة الأميركية دبلوماسياً بأنها لا يمكن أن تقبل بأي تقارب بين البلدين يأتي على حسابها أي أن الانفتاح الأميركي على إيران يجب ألا يؤدي إلى الإضرار بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة لصالح إيران، هذا حق مشروع لدول الخليج لتضمن تحالفها القائم مع الولايات المتحدة.

Email