ماذا لو رشح السيسي نفسه للرئاسة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

السؤال الدائر في مصر الآن، ويدور في مخيلة المصريين: هل يرشح الفريق السيسي نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة أم لا؟ وما الضير في أن يصبح رئيساً للجمهورية في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها مصر الآن؟ ألا تحتاج مصر إلى شخصية عسكرية؟ وماذا استفاد المصريون من الحكم المدني طيلة عام كامل سوى الفوضى والعنف على كافة المستويات؟

أسئلة مشروعة تجتاح مصر الآن، خصوصاً في ظل العجز الشامل الذي يكتنف كافة الرموز السياسية، سواء من الأجيال القديمة أو الحديثة. وتكتسب تلك المشروعية زخمها في ظل تململ المصريين تماماً من الثورة والنتائج التي انتهت إليها.

وفي ظل التصاعد المستمر للفوضى من جانب شباب الإخوان المسلمين في الجامعات المصرية، وما يتوقع أن ينجم عن ذلك من كوارث وصراعات حادة في الأيام المقبلة. فالشاهد أن القنبلة الموقوتة التي تواجه مصر الآن، تتمثل في المواجهات اليومية بين من يؤيدون الإخوان ومن يعارضونهم خلف أسوار الجامعات المصرية.

الأمر الذي لا يمكن الجدال فيه، أن شخصية السيسي قد حازت على إعجاب الملايين من المصريين بعد قيامه بإزاحة الإخوان وضمانه أمن مصر، وبشكل خاص أمن الحدود في منطقة سيناء. وعلى ما يبدو فإن المصريين اشتاقوا لشخصية الزعيم الأب الكاريزما، فوجدوا ضالتهم في شخص السيسي، رغم أن الرجل لا يحمل من تلك الصفات الكثير، على الأقل حتى الآن..

 فالبون شاسع مثلاً بينه وبين شخصية عبد الناصر وحضوره. كما أن العالم الذي نعيش فيه لم يعد يقبل بحضور الأبطال المغاوير، بقدر ما يقبل بحضور أشخاص قادرين على فهم السياقات المحيطة بهم، ويتصرفون وفقاً للقانون وحدود الفكر البشري. فمنذ سنين عديدة لم يشهد العالم تلك الشخصيات اللامعة التي يمتزج فيها الواقع بالأسطورة، مثل غاندي وناصر وتشرشل وروزفلت؛ فالعالم المعاصر هو عالم كلينتون وتاتشر وريغان وبوش وميركل، وغيرهم من القادة العاديين.

لكن رغم ذلك فقد صنع المصريون من السيسي أسطورة جديدة يتغنون بها ولها، ويهتفون من أجلها. هكذا المصريون حينما يلهجون باسم الحاكم ويعلون من شأنه، وتلك مصيبة كبيرة وخطيرة ربما ارتبطت بالشخصية المصرية عبر التاريخ؛ ألم يكن المصريون يصنعون من فراعنتهم آلهه؟

ألم ينصبوا محمد علي المقدوني حاكماً عليهم؟ ألم يرغموا عبد الناصر على الاستمرار في الحكم بعد تسببه في أشد الهزائم في تاريخ مصر الحديث؟ من هنا فما يحدث في مصر الآن يمثل امتداداً للشخصية المصرية، التي لا يمكنها العيش بدون الحاكم المعبود الذي تتصوره قوياً وقادراً على صنع المعجزات. إنها تلك الشخصية التي تقود الحاكم إلى نهايته، تدغدغ مشاعره، وتثير طموحاته، وتدفعه دفعاً لمغامرة الحكم، ثم تتركه بعد ذلك لتطيح به، وتسعى من أجل غيره... وهكذا!

من هنا، فإن مسألة ترشيح الفريق السيسي، وما يقوم به البعض من جمع التوقيعات من أجل دفعه لترشيح نفسه، سواء أكان هو جزءاً من هذا السيناريو أم لم يكن كما يقول المتحدث العسكري دائماً، مسألة على قدر كبير من الخطورة سوف يخسر من خلالها السيسي الكثير لو قام بها.

فأولاً، سوف يظهر أمام قطاع ليس بالقليل من المصريين، على أنه لم يكن صادقاً في دعاوى التغيير التي قام بها، بقدر ما كان يمتلك طموحه الخاص به وأجندته التي رسمها لنفسه أو رسمها قادة الجيش له. كما أن قدومه لن يكون محل حفاوة من قبل قطاع غير قليل من المصريين الذين ينتمون للإسلام السياسي، والذين سوف يناصبونه العداء طوال فترة حكمه.

وبالتالي فإن لعنة الانقلاب سوف تطارده ولن يستطيع أن يجد منها فكاكاً، وهو ما سوف يضطره إلى انتهاج القمع الذي سوف يعيد لمصر سيرتها المباركية الأولى، وسوف يطلق الشعب مرة أخرى ألسنته التي لا تهدأ نقداً وتجريحاً وقذفاً.

الأمر الذي لا شك فيه أن مصر تواجه الآن حالة انقسام هائلة، ورغم ما يبدو من تحسن نسبي في أحوالها السياسية والاقتصادية، فإن الأوضاع لن تتحسن بالقدر المطلوب إلا من خلال اللجوء لحل سياسي حكيم ورشيد، أو على الأقل محاولة استيعاب شباب الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى، بما يضمن تهدئة للأمور وقدراً من السيطرة على الجامعات والشارع المصري.

وهذه الأمور لن تتم في ظل اعتلاء السيسي سدة الحكم، بقدر ما يمكن أن تتم من خلال اعتلاء شخص آخر لها، وبقاء السيسي وزيراً للدفاع، وتراجع الجيش من الشارع المصري، وضمان ضبط النفس من قبل قوات الشرطة تجاه المتظاهرين، مع استمرارية عجلة الإنتاج وحركة الاقتصاد.

في هذه الحالة سوف يبدو السيسي بطلاً قومياً حقيقياً أمام المصريين، محافظاً على مصداقيته، ومؤكداً على الطابع الثوري للثلاثين من يونيو. «اللهم اجعل السيسي لا يُرشح نفسه ولا ينخدع بصخب الداعين لذلك»!

 

Email