الرابحون والخاسرون من المبادرة الروسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرئيس فلاديمير بوتين واحد، نظام بشار الأسد واحد، الرئيس باراك أوباما واحد، الشعب السوري صفر. هذه هي النتيجة المباشرة التي أسفر عنها عرض ما سُمي بالمبادرة الروسية لنزع فتيل الضربة العسكرية على النظام السوري، والمتعلقة بوضع المخزون الكيماوي السوري تحت إشراف دولي.

حقاً كانت ضربة معلم، ليس وليد المعلم وزير خارجية سوريا وإنما فلاديمير بوتين، الذي قدمت بلاده المبادرة في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الأميركية في مزاج توجيه ضربة عسكرية لحليف موسكو في دمشق.

لقد لخبط هذا العرض كل الحسابات لصالح روسيا ونظام بشار الأسد. فبينما كانت روسيا على حافة مشاهدة حليفها في سوريا يتعرض لهجوم عسكري، وهي تفرد عضلاتها على السواحل السورية من دون أن تستطيع فعل شيء لمساعدته، أتت بفكرةٍ جهنميةٍ لدحض مساعي واشنطن العسكرية للقضاء على ترسانة الأسد من السلاح الكيماوي. وبهذا تكون قد رمت الكرة في الملعب الأميركي والأوروبي لضمان عدم جدوى السير في طريق توجيه الضربة العسكرية.

لقد كسب بوتين هذه الجولة بهذه المبادرة لأنه استطاع أن يوجد له فرصة لحماية حليفه السوري من السقوط أو الضعف بسبب الضربات العسكرية القاسية التي كان سيتلقاها.

واستطاع أيضاً أن يضمن أن السلاح الكيماوي سيصبح بعيداً عن متناول أيدي الجماعات المسلحة ذات البعد المتشدد والإرهابي والتي يمكن أن تستخدمه بطريقة لا تصب في صالح روسيا، مثل وصوله إلى القوقاز لدى الجماعات الجهادية المسلحة هناك. لذلك فإن بوتين في هذه الوهلة كسب المعركة وأصبح من الرابحين نتيجة عرضه لهذه المبادرة.

والنظام السوري خرج هو أيضاً كاسباً من هذه الجولة، لأنه استطاع أن يقدم ما يمكن أن يُعتبر ضربة قاسية للرئيس الأميركي ومساعيه للحصول على دعم الكونغرس الأميركي لتوجيه ضربة عسكرية لبشار وقواته الموالية له. بهذه المبادرة وبالقبول بها وضع بشار نفسه شريكاً في المعادلة وليس طرفاً خارج اللعبة.

فالإشراف على مخزونه الكيماوي يتطلب من المجتمع الدولي التعامل مع نظام الأسد للحصول على ما يريد، وعليه فإن الأسد سيتمكن من أن يضمن بقاءه في السلطة لسنوات قادمة مدعوماً بمثل هذه المبادرة التي لا تتحدث في شكلها الحالي عن ترتيبات لتنحيه عن السلطة.

وعلى الجانب الآخر فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما هو أيضاً من الرابحين في هذه المعركة إلى الآن، حيث تمكن من أن يعطي الانطباع للجميع بأن تشدده باستخدام القوة العسكرية هو ما جعل موسكو ومعها نظام الأسد تقدم هذه المبادرة رغبة في تفادي الضربة العسكرية.

ومن جهة أخرى فإن أوباما تمكن أيضاً ولو مرحلياً من أن يعطي الحل السياسي فرصة في هذا الموضوع رغبة في عدم التدخل العسكري ضد النظام السوري وشن هجوم عسكري غير مرحب به لدى غالبية الشعب الأميركي.

أوباما الذي أتى إلى البيت الأبيض بشعارات مناهضة للحروب الأميركية في كل من أفغانستان والعراق، وأيده الشعب الأميركي في ذلك، كان لا يود أن يقوم بما يخالف ما وعد منتخبيه على أقل تقدير.

لذلك جاءت المبادرة الروسية كطوق نجاة للرئيس أوباما كي يحافظ على سمعته ووعوده للشارع الأميركي ولمناصريه من الحزب الديمقراطي الذين قدموا الدعم له بسبب مواقفه المعارضة للحروب. لذلك فإن أوباما يأمل في إنجاح هذه المبادرة قدر الإمكان حتى يبتعد عن الدخول في مغامرة عسكرية لا تلقى قبول الشارع الأميركي.

أما عن الشعب السوري فهو وللأسف الشديد أكبر الخاسرين من هذه المبادرة التي لم تأتي لحمايته أو وضع حد لمأساته، وإنما جاءت لتخدم مصالح الأطراف الخارجية وتحمي النظام السوري.

الشعب السوري الذي قدم أكثر من مائة ألف روح بسبب همجية النظام وتشدد حلفائه الدوليين لن يجني من هذه المبادرة ما يمكن أن يضمن سلامته من خلالها. فهذه المبادرة في وضعها الحالي تتحدث عن السلاح الكيماوي ولا تتطرق إلى وقف القتال، ولا تقدم حلاً سياسياً للوضع المأساوي في البلاد. فإذا ما ظل الوضع على ما هو عليه فإن الشعب السوري سيبقى هو أكبر الخاسرين من هكذا مبادرة.

بوتين وأوباما ومعهم بالطبع النظام السوري هم الرابحون من هذه المبادرة، فيما يظل الشعب السوري خارج معادلة الربح طالما لم تحل مسألة حمايته من حالة الاقتتال والحراب العسكري هناك، وهذا هو الأمر المحزن حقاً.

 

Email