هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية، أن تحل ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر هذا العام وسط موجة جديدة من إرهاب الإخوان المسلمين في مصر؟
في قلب «مدينة نصر» ذاك الحي الراقي على أطراف القاهرة، كانت مصر على موعد مع محاولة لاغتيال وزير داخليتها اللواء محمد إبراهيم، ويبدو أن تكتيك الإخوان قد تغير بعد فشلهم في إقامة اعتصامات جديدة في ضواحي القاهرة، منذ فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، وكذلك بعد أن فقدوا القدرة على حشد التظاهرات المليونية.
في هذا الإطار بدا أن لا مفر أمام الجماعة، من العودة إلى العمل السري بأبعاده المختلفة، وفي مقدمتها الاغتيالات الفردية التي عانت منها مصر في حقبة التسعينات من القرن المنصرم.
على أن المثير هذه المرة والمخيف أيضاً، هو أن الإرهاب الذي حاول اغتيال وزير الداخلية المصري، لا يحمل سمات جماعة الإخوان المصرية فحسب، بل ربما يكون نتاجاً وإفرازاً لتعاون بين إخوان مصر وجماعة القاعدة، فالإخوان لا يمتلكون آليات تصميم السيارات المفخخة، ولا القدرة على إعدادها وتنفيذها على النحو الذي جرت به.
هل تصر جماعة الإخوان على الانتحار السياسي؟ ربما يكون من المضحكات المبكيات أن تأتي محاولة الاغتيال والكثير من الأصوات في مصر، ينادي بضرورة إدماج كافة التيارات الإسلامية في الحياة السياسية، ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء. تفرض الأحداث الأخيرة تساؤلاً بعينه: لماذا لم يصدم المصريون من جراء محاولة الاغتيال الأخيرة هذه؟ بل لماذا وجهت العوام والنخب أصابع الاتهام للإخوان في أول الأمر وآخره؟
بداية، لأنهم توعدوا وهددوا بالتصعيد، وثانياً، لأن تاريخهم مقرون بحوادث مشابهة عدة، بعضها حقق أهدافه وأخرى أخفقت، فعلى مدى ثمانية عقود أو أزيد، وقفوا وراء اغتيالات السياسيين في مصر، بدءاً من أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء، مروراً بالنقراشي باشا، ثم القاضي الخازندار، وتالياً اختطاف الشيخ الذهبي، ثم القضاء عليه بعد أن تصدى لأفكار التكفير والهجرة، وصولاً إلى اغتيال السادات عام 1981.
ما هو الدرس الذي فات الإخوان ومن لف لفهم أن يتعلموه من تلك السلسلة الطويلة من الاغتيالات والإرهاب؟ أنهم بالضبط مثل أسرة «البوربون» الفرنسية، لم يتعلموا شيئاً من التاريخ ولم ينسوا شيئاً مما جرت به وقائع التاريخ.
لم يدركوا لماذا باتوا مطاردين من كل الأنظمة التي حكمت مصر، منذ الملك فاروق وحتى الرئيس المؤقت منصور؟ ثم في غباء سياسي شديد الوطأة، نسوا كيف أن تلك الجرائم كانت وراء كراهية الشارع المصري لهم.
لم يعد أحد في مصر اليوم قادراً على الحديث عن فتح باب المصالحة مع الإخوان، بل إن أي صوت ينادي بالأمر بات يهاجم بقوة وضراوة، وهو أمر مبرر أمام جماعة تحاول أبداً ودوماً شل الدولة المصرية وإرباكها ومحاولة إفشالها، وهو ما حاوله أتباعها في اليوم التالي لمحاولة اغتيال وزير الداخلية وشاهده العالم.
لم تتعلم جماعة الإخوان درساً بليغاً من القاعدة التي نجحت في عملها الإرهابي المدان في 11 سبتمبر.. كيف ذلك؟
القاعدة بتنفيذها هجمات مذهلة مثل تلك التي جرت في نيويورك وواشنطن، حققت غرضها في الاستحواذ على انتباه العالم، وهو ما تحاول جماعة الإخوان فعله الآن في مصر، إذ تعلي من موجة العنف والإرهاب للفت أنظار العالم. غير أن 11 سبتمبر كشفت أيضاً إخفاق قوى التطرف في بناء حركة جماهيرية حقيقية، وإثارة انتفاضة ناجحة في أي بلد إسلامي.
هنا يحدثنا الكاتب والمفكر الفرنسي جيل كيبلز، المتخصص في شأن الحركات الإسلامية، كيف أن القاعدة لجأت لمسرح الإعلام بأمل أن يلهم الإرهاب الصرف المجاهدين في الأماكن التي لم يحقق فيها النضال المسلح أي نجاحات كبيرة في الحشد الشعبي، وبدلاً من ذلك كانت 11 سبتمبر علامة أفول الحركة الإرهابية وليس صعودها.
هل ما يقوم به الإخوان اليوم في مصر أمر بمثابة «صرخة الموت»، لا سيما في ظل شعب رافض لعنفهم، وشرطة مصممة على تحقيق الأمن، وجيش يمثل حائط الردع الرئيس الذي لا يصد ولا يرد؟
يبدو أنه كما كانت أحداث 11 سبتمبر هي النهاية الفعلية لتنظيم القاعدة، فإن ما يجري في مصر من أحداث هو نهاية مماثلة لتيار وفصيل سياسي ضل الطريق طويلاً.
من القاعدة إلى الإخوان، نذكر أن الحركات المتطرفة، وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي أمام العدو الخارجي، وهو نوع من التشنج الطبيعي بسبب عجز الجسم عن المقاومة.
هل حان الوقت لصحوة حضارية عربية لا تلهث وراء الغرب أو الشرق، بل يكون لها معينها الفكري وزادها الأدبي، وتراثها الخلاق، بعيداً عن أراجيف 11 سبتمبر وإرهاب الإخوان؟!