اعطونا عاماً واحداً فقط من الهدوء

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا لا ينعم العالم العربي دائما بالهدوء؟ ولماذا لا يمر عليه عقد واحد من الزمان أو حتى نصف عقد بدون اندلاع صراعات سياسية، أو ثورات عنيفة، أو انقلابات عسكرية، أو كوارث اقتصادية، أو خلافات حدودية أو كل هذا معا؟ ولماذا تتصدر أحداثنا الدموية، من انفجارات وعمليات انتحارية وهدم للبيوت وقتل للعزل وإقصاء للمخالفين وانتهاك للحريات الفردية، صفحات الإعلام المحلي والعالمي على السواء؟

لماذا لا توجد لدينا أخبار جميلة ومبهجة؟ ولماذا لا تنتج المنطقة أحداثا تدعو للتفاؤل والثقة في المستقبل؟ ولماذا لا نشارك في مسيرة الكون بهدوء ودون صخب وضوضاء، مثل غيرنا من عباد الله الآخرين في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا؟ ولماذا نُضجر أنفسنا ونُضجر الآخرين حولنا؟ هل الذنب ذنبنا، أم ذنب الظروف التاريخية المعقدة التي أحاطت بالمنطقة منذ منتصف القرن الماضي؟ وهل ساهمنا نحن في تعميق تلك الظروف وزيادة التأثيرات المرتبطة بها؟ وهل للأمر علاقة بالشخصية العربية ككل؟ أم أنه رهن بتغيير الظروف السياسية والكونية المحيطة بنا؟

أسئلة كثيرة وعديدة ومحبطة، راودتني وأنا أطالع الإعلام العربي وهو يتناول الضربة القادمة لسوريا. الموقف نفسه الذي حدث في العراق، تململ الانتظار وانتظار الضربة، بغض النظر عمن هو الضارب ومن المضروب. أصبحنا نصيغ المشاهد وننتظر تحقيقها بسرعة، وربما بلهفة. ولم نعد نسأل أنفسنا: ما الذي حدث في العالم العربي منذ غزو الكويت؟ ألم يتفكك العراق، ومن بعده السودان، ناهيك عن لبنان، وما يهدد المنطقة كل يوم وكل لحظة، وسنوات الدم الطويلة في الجزائر، وما يحدث في مصر وتونس وليبيا؟!

هذه هى الإنجازات العربية؛ من انهيار إلى انهيار، ومن تفكك لتفكك ومن دم لدم. الكارثة الأشد خطورة تتمثل في خط الإنتاج الطويل وغير المسبوق، ممن يدعون الانتماء للإسلام ويفاجئوننا كل يوم بأجيال جديدة من المتطرفين الدمويين الإقصائيين.

من كان يصدق ما حدث في مصر بعد وصول الإخوان وجماعات الإسلام السياسي للحكم؟ ومن كان يصدق أن تفقد الجزائر آلاف المدنيين في حرب مستعرة ليس لها هدف سوى القتل والتدمير والانتقام؟ ومن كان يصدق أن يصبح اليمن السعيد هدفا شبه يومي لطائرات أجنبية من أجل قنص قادة القاعدة المطلوبين من قبل الإدارة الأميركية؟

هذا هو حالنا، بدون رتوش وبدون تجميل وخلق أعذار وتبريرات.. الخطير في الموضوع أنه حال شبه يومي، حال اعتدنا عليه وكيّفنا أنفسنا معه، ولم نعد نستنكره أو نربأ بأنفسنا عنه.

هناك أسباب عديدة لما وصلنا إليه الآن، يأتي في الصدارة منها أن المنطقة منكوبة منذ منتصف القرن الماضي بالصراع العربي الإسرائيلي، وهو صراع حولناه إلى صراع تاريخي، بدون أن نطور أنفسنا عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا وسياسيا. فحسبة بسيطة بيننا وبين إسرائيل، لا بد أن تصب في مصلحة الأخيرة مقابل الدول العربية مجتمعة.

لماذا وصلت إسرائيل إلى ما وصلت إليه مقارنة بأحوالنا المزرية؟ سؤال نتحمل نحن مسؤوليته، من خلال الأسباب الأخرى المتعلقة بالغياب الحقيقي للديمقراطية على مستوى الدول والحكومات، وعلى مستوى الأفراد أنفسهم. فقد كشفت ثورات الربيع العربي، إن كانت ما زالت تحمل نسائم الربيع وطراوتها، عن غياب فعلي للحوار والنقاش بين المواطنين العاديين، وأن تعاملهم مع بعضهم لا يقل دموية عن أساليب حكوماتهم وأجهزتهم الأمنية العتيقة.

إضافة إلى ما سبق، فإنه لا توجد منطقة في العالم تتعامل مع الأديان بكل هذا التوتر مثل منطقتنا العربية، سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود. حجم الكراهية المستعر في المنطقة لم ولن يساعد على إطلاق لغة مشتركة بين البشر، لغة تسعى إلى التعايش وتنبذ العنف، وترتقي بين مصاف الأمم المتقدمة. بالطبع يتحمل المسلمون جانبا كبيرا من ذلك بسبب كثرتهم العددية وغلبتهم الجغرافية، وهو أمر تظهر تجلياته من خلال هيمنة لغة العنف وسيادة المتأسلمين المتطرفين وانتشار لغة الاستعلاء.

إن التصوات المرتبطة بكوننا الأفضل والأرقى، تجعلنا لا نرى حقيقة أنفسنا، ولا نرى طبيعة وضعيتنا المتدهورة، قياسا لشعوب الكون الأخرى. فما نراه في أنفسنا من أننا الأفضل والأرقى والأطهر والأكثر خلودا، لا ينبني إلا على تصوراتنا الشخصية وأحلامنا الوردية. وبينما العالم يتحرك من حولنا، نزداد نحن قسوة وقتلا وتدميرا واستعلاء، وحديثا عن الضربة القادمة لسوريا، التي ننتظرها بلهفة وترقب مشحون، من أجل كتابة تاريخ جديد من الندب والعويل والاستعلاء.

أتمنى أن يفيق السوريون كافة ويعودوا إلى رشدهم، فربما يمر عام علينا من الهدوء، بدون سفك للدماء وتدمير للمدن والمزيد من الفضائح التي أصبحت على لسان القاصي والداني!

Email