هل تنقذ سوريا مكانة أميركا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يختلف اثنان على أن صورة الولايات المتحدة ومكانتها لدى المجتمع الدولي، قد تراجعت بشكل كبير مع عجزها عن التعامل بشكل حازم مع الكثير من القضايا والأزمات الدولية، الأمر الذي جعل البعض يعتبر أن النظام الدولي الحالي بعيد كل البعد عن الأحادية التي هيمنت عليه الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. إن الولايات المتحدة التي عرفها العالم دائماً ما تكون لها بصمة واضحة فيما يحدث فيه من مجريات.

ولا تمانع في وضع قوتها خلف بعض القضايا والأزمات التي تعتبرها مؤثرة على الأمن والاستقرار العالميين. ولا نبالغ إذا قلنا إن الرئيس الأميركي الحالي هو رئيس ضعيف في السياسة الخارجية، حيث إنه وبسبب انعزاليته في التعامل مع العالم الخارجي، قد قزم صورة ومكانة الولايات المتحدة لدى العالم،.

ولا سيما في أعين الدول الفاعلة المتربصة بالولايات المتحدة، كروسيا والصين وإيران، التي استغلت الفرصة لصالحها في العديد من الملفات المتعلقة بمصالحها، لتقول لا لواشنطن، وتتشدد فيها، باعتبارها تدرك بأن الأخيرة لن تتجرأ على التحرك ضدها؛ وحتى حلفاؤها لم يعودوا يعيرون أهمية كبيرة لكلمة واشنطن، وأكبر دليل على ذلك إسرائيل.

إن أهم ما تواجهه الولايات المتحدة من تحديات في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، مرتبط بثلاث قضايا رئيسية هي: البرنامج النووي الإيراني، الوضع في سوريا، والوضع في مصر. هذه هي أهم الأولويات المرتبطة بمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة في هذا الوقت، إلا أن الملاحظ أن واشنطن لا تضع هذه القضايا الثلاث كأولويات رئيسية تتمحور حولها سياساتها الخارجية.

 واشنطن تركت البرنامج النووي الإيراني للمحادثات الدولية، واعتمدت على استراتيجية الضغط عن طريق العقوبات الاقتصادية، دون أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى نتائج إيجابية في طريق وقف البرنامج النووي الإيراني أو ضمان سلميته. وعلى الجانب السوري ابتعدت واشنطن كل الابتعاد عن وضع حد لما يدور في ذلك البلد من مجازر ضد المدنيين الأبرياء.

وخضعت لضغوط موسكو التي لم تكن واشنطن في يوم من الأيام لتخضع لها سوى بتحقيق مصلحة مشتركة، وهو ما لم يتحقق في الحالة السورية. وفي مصر ما زالت واشنطن غير حاسمة في موقفها، وكأنها تحاول المحافظة على شعرة معاوية مع جميع الأطراف هناك.

ولعل أبرز ما يشير إلى التخبط الأميركي، هو أن واشنطن وضعت حملها في الفترة الأخيرة خلف موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي تعلم أن هذا الموضوع رغم أهميته، لا يمثل أولوية لسياستها الخارجية الحالية في ظل الظروف الراهنة في المنطقة، والتي تحتم على واشنطن التعامل مع تلك الظروف بشكل صريح وواضح. فنحن لا نقلل أبداً من أهمية القضية الفلسطينية.

ولكن تحليلنا يأخذنا إلى أن هذا الملف معقد للغاية، وأن الخبرة السابقة تشير إلى أنه في ظل الظروف الراهنة لا يبدو أنه سيبارح مكانه، بالإضافة إلى أن أي مُخطط استراتيجي ولو كان مبتدئاً، يعلم جلياً أن الملف الفلسطيني ليس له تأثير على القضايا الثلاث الرئيسية، التي من المفترض أن تمثل اهتمام السياسة الخارجية الأميركية في الوقت الراهن. لعل واشنطن أدركت بعض الشيء هذا الأمر..

وبدأت أخيراً تتحدث بأسلوب قد يشير إلى أن هناك نية لعمل ما، لا سيما في سوريا، وخاصة بعد تعالي الأصوات باستخدام السلاح الكيماوي من قبل النظام السوري ضد السوريين. وزير الدفاع الأميركي تحدث بصراحة عن أن قواته مستعدة للقيام بعمل عسكري، إذا ما وجه الرئيس الأميركي بذلك.

نحن نعلم أن أوباما شخص متردد فيما يتعلق بالتدخل العسكري، لا سيما وأنه أتى إلى البيت الأبيض وهو يرفع شعار إخراج أميركا من كل من العراق وأفغانستان، وهو ما فعله بالفعل، الأمر الذي جعل دولاً مثل روسيا وسوريا وإيران تتجرأ على التشدد في التعامل معه، لإدراكها أنه لن يغامر بالولايات المتحدة في حروب جديدة.

وهذا تحليل سليم، ولكن أوباما يدرك أيضاً أنه أمام ضغوط داخلية وأخرى خارجية تفرض عليه أن يفعل شيئاً، لاستعادة سمعة الولايات المتحدة ومكانتها في العالم كدولة من المفترض أنها تُردف الأقوال بالأفعال كما كانت دوماً، حتى لا يتجرأ الآخرون عليها في المستقبل. لقد اعتبرت واشنطن استخدام السلاح الكيميائي خطاً أحمر لا يمكن لها أن تتسامح معه.

وها هو نظام بشار أعطاها الفرصة كي تعيد مكانتها وصورتها، من خلال الوقوف في وجه نظام خرق واحداً من أهم القوانين الدولية والإنسانية المرتبطة بحرمة استخدام مثل هذا السلاح الفتاك. فما الذي ستفعله واشنطن؟ هل تستسلم للتحدي الذي فرضه عليها نظام بشار وحلفاؤه الدوليون؟! أم أنها وكما عودتنا، تأخذ زمام المبادرة لمواجهة التحدي كي لا تسقط هيبة الولايات المتحدة لصالح أعدائها ومنافسيها في العالم؟!

هذا ما ستوضحه لنا الأيام المقبلة، وهي التي ستصبغ سمعة الرئيس أوباما بين رؤساء أميركا لأجيال قادمة، فهو إما أن يكتب عنه التاريخ أنه كان رئيساً قوياً لم يرضَ السقوط لهيبة ومكانة أميركا في النظام الدولي، أو يكتب عنه أنه كان رئيساً عزل أميركا عن العالم، وجعلها تستسلم لفكرة أن النظام الدولي الحالي هو نظام غير أحادي، تبرز فيه الدول المنافسة والمعادية لواشنطن كشريك قوي!

بالطبع، مكانة أميركا ستتأثر بالسلب إذا ما تمكن النظام السياسي في سوريا من البقاء متماسكاً وقوياً، رغم الضربات العسكرية، وخاصة إذا ما تمكنت قوات النظام السوري من توجيه ضربات عكسية موجعة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ربما بمساعدة حلفاء دمشق مثل إيران وحزب الله وخلفهم السلاح الروسي.

ولكن مكانة أميركا ستتأثر بالإيجاب إذا ما تمكنت من أن تقضي على النظام السوري أو تهمشه بشكل كبير، أو تحتوي قوته وتبعد عنه الدعم الذي يمكن أن يأتيه من حلفائه، أو إذا ما أجبرته على طاولة الحوار.

. عندها تستطيع واشنطن أن تقول إنها بالفعل حققت هدفها من العملية العسكرية، ووجهت رسائلها التي أرادت أن توصلها لمختلف الأطراف في النظام الدولي. من الصعب التكهن بالنتيجة التي ستتحقق رغم ميل الكثيرين نحو السيناريو الأول، لكننا على قناعة بأن سوريا هي المكان الذي يمكن لواشنطن أن تعيد مكانتها وهيبتها من خلاله، وهي أيضاً المكان الذي يمكن لمكانة واشنطن أن تتدهور فيه بشكل لا يخدم سوى منافسي واشنطن وأعدائها.

 

Email