تضارب إصلاح الهجرة في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلف الغموض الكثير من الأمور المتعلقة بالهجرة غير الشرعية في أميركا، ولا يزال أصحاب الأعمال المحافظون يؤيدون فكرة العمالة الرخيصة المستوردة وغير النقابية، في تحالف غريب مع الناشطين الليبراليين الذين يريدون أعدادا كبيرة من الناخبين ذوي الأصول اللاتينية، الذين يأتون في أعقاب التدفقات الكبيرة من مهاجري أميركا اللاتينية.

ولكن إلى أي حد تتسم بالمحافظة تلك الشركات التي استهانت في الماضي بالقانون الفيدرالي؟ وإلى أي حد يتسم بالليبرالية أولئك الناشطون الذين قوضوا القوة التساومية للعمال الأميركيين الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، والذين ينتمي الكثير منهم إلى الأقليات؟

العلاجات التي تتم مناقشتها والمتعلقة بالهجرة غير الشرعية، غامضة بالقدر نفسه. وإذا كانت الحكومة الأميركية تخطط الآن لأن تقدم لبعض الأجانب سبيلا للحصول على الجنسية الأميركية، فهل أصبحت فجأة أيضا لديها الإرادة لكي تحدد من المؤهل للحصول على المواطنة من بين هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين؟ لقد أقام الملايين من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة لبعض الوقت،.

ولم تتم إدانتهم بارتكاب جرائم، وقد عملوا باجتهاد وأعالوا أنفسهم، ولكن إذا كانت غالبيتهم تستحق فرصة للحصول على الإقامة الشرعية وبدء عملية الحصول على الجنسية، فماذا عن الآخرين الذين لا يتأهلون لذلك في ظل هذه الاعتبارات نفسها؟

هناك أيضا حديث عن إصلاح الهجرة الشرعية كذلك، ومن الآن فصاعدا سوف نختار المهاجرين للحصول على المواطنة، ليس بحسب المكان الذي قدموا منه، أو لحقيقة إقامتهم غير الشرعية السابقة في الولايات المتحدة، وإنما على أساس مجموعة المهارات التي تمس الحاجة إليها ومستوى التعليم، ومدى استعدادهم للانتظار في الطابور بصورة شرعية.

ولكن هل أنصار "الإصلاح الشامل للهجرة" ذوو الصوت العالي، على استعداد حتى لتبني الإصلاحات التي يتباهون بها؟ إن ذلك قد يعني نهاية امتيازات الملايين الذين قدموا من أميركا اللاتينية لدخول الولايات المتحدة، من دون الاهتمام المطلوب بتلك المعايير.

إن الهجرة غير الشرعية الهائلة ليست عمياء على الصعيد العرقي، ولا تقوم على التعليم، فعلى امتداد عقود حبذنا أكثر وصول المهاجرين اللاتينيين الذين يمكنهم بيسر أن يعبروا الحدود الأميركية المكسيكية، وذلك مقارنة بالمهاجرين القادمين من آسيا أو إفريقيا أو أوروبا البعيدة.

وسياسات الهجرة على القدر ذاته من الغرابة، فالديمقراطيون الذين لفت نظرهم الفوزان الانتخابيان اللذان حققهما أوباما، يرحبون الآن بأعداد كبيرة من المواطنين اللاتينيين الجدد لكي يصوتوا بشكل جماعي للمرشحين الديمقراطيين. ولكن إذا أغلقت الحدود بالفعل وعادت الهجرة إلى العملية الشرعية المنتظمة.

فإن ذوي الأصول اللاتينية بمرور الوقت، وعلى غرار اليونانيين والإيطاليين والأرمن، سوف يتتبعون معظم الأقليات العرقية الأخرى ويبعدون ولاءاتهم عن الحياة السياسية. ويبدو الجمهوريون أكثر حيرة، فبعد الحديث التفاخري بما لا ضرورة له في الانتخابات الرئاسية الأولية عام 2012، مضوا إلى الاتجاه الأقصى القائم على العفو بدلا من فرض القانون، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة، إلى الجهود التي يبذلونها للتعامل مع الأعداد المتزايدة من الناخبين ذوي الأصول اللاتينية.

هنا أيضا تتعدد الألغاز، حيث تشير عمليات استطلاع رأي عديدة، إلى أن الهجرة لم تكن السبب الأول في أن ذوي الأصول اللاتينية قد اقترعوا بشكل كاسح لصالح باراك أوباما.

وعندما أجرى مركز أبحاث بيو، مؤخرا، مسحا لذوي الأصول اللاتينية وسألهم عما إذا كانوا يفضلون الضرائب المرتفعة والحكومة الكبيرة، أم الضرائب المنخفضة والحكومة الصغيرة، أعربوا عن تفضيلهم للخيار الأول، وذلك بهامش 75 إلى 19. وعادة ما كانوا ينظرون إلى الديمقراطيين الليبراليين باعتبارهم دعاة أفضل من الحكومة القائلة بإعادة توزيع الثروة، وينظرون إلى الجمهوريين باعتبارهم دعاة قساة للسوق الحرة الفظة.

يتحدث الجميع عن تمرير إصلاح شامل للهجرة يعتمد على الحزبين، كما لو كان النظام الحالي لم يبرز لخدمة احتياجات كل أنواع المصالح الخاصة التي من المؤكد أنها لم تختف. ونحن ننسى أن الكثير من أصحاب الأعمال، ما زالوا يريدون عمالة رخيصة قوامها الأيدي العاملة الأجنبية. والحكومة المكسيكية ما زالت تروج للهجرة غير الشرعية، كصمام أمان سياسي ومصدر ثمين للتحويلات النقدية.

ولا يريد ناشطون عرقيون كثيرون، يستمدون تأييدهم من أعداد غفيرة من ذوي الأصول اللاتينية الذين يجري استعبادهم، ترحيل أي شخص، ولا يرحبون بالهجرة الشرعية من خلال معايير العمى العرقي والمهارات المختلفة.

ولا يريد السياسيون الديمقراطيون إغلاق الحدود، لا لشيء إلا ليروا البوتقة ذات يوم وهي تحول مؤيديهم إلى ناخبين مستقلين. والجمهوريون الذين يستبد بهم الانزعاج، ليست لديهم فكرة عما يريدونه بخلاف الحصول على العمالة لأكبر عدد يستطيعونه من الدوائر الانتخابية.

نظام الهجرة الحالي في أميركا غير شرعي وغير أخلاقي، ولكنه أيضا على نحو غريب نظام وطني، من حيث الطريقة التي يخدم بها جيدا الكثير من اللوبيات، وكذلك المصالح العامة بمعناها الواسع.

 

Email