هل تغزو أميركا مصر عسكرياً؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف يمكن للتحالف الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، أن ينتهي بتفكير الأخيرة في غزو مصر عسكريا؟

كلام كثير يتردد شرقا وغربا، أميركيا وأوروبيا، حول طلب رئاسي أميركي إلى وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، بشأن إعداد تقدير موقف حول سيناريوهات التدخل العسكري الأميركي على الأرض في مصر.

هل الأمر ضرب من الخيال أم أن هناك سيناريوهات وضعتها الإرادة الجهنمية الأميركية في الأعوام الماضية، تجعل الخيال واقعا ولا يحتاج إلا إلى أمر رئاسي بالتنفيذ؟

حتى نفهم صحيح الفهم أبعاد ما يجري سياسيا وعسكريا حول العالم، فإننا نحتاج دائما إلى خريطة الجغرافيا، كما كان يقول الجنرال شارل ديغول، وحال نظرنا إلى مصر سنجد أن في الغرب ليبيا، حيث الأحوال الأمنية متفجرة وإمكانية وجاهزية وجود قوات لحلف الناتو أمر يسير. وفي الجنوب الغربي هناك دارفور التي تسعى لاستقلالها عن السودان،.

وفيها تنتشر القوات الأممية برعاية أميركية، ما يعني أنها شبه جاهزة في أية لحظة لأن تتحول إلى قاعدة عسكرية أميركية، تنتشر فيها صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى موجهة ناحية مصر. أما عن الشمال الشرقي لمصر فهناك إسرائيل، بما لديها من مخازن سلاح أميركية جاهزة للاستخدام، في حال دخول الولايات المتحدة في أية حروب في المنطقة..

ماذا يعني ما تقدم؟ يعني أن الفكرة عسكريا ربما تكون قابلة للتنفيذ، لكنها تمثل في الحال والاستقبال انتحارا سياسيا وربما عسكريا لواشنطن، والعهدة هنا على الراوي كاتب تقرير البنتاغون، والذي كشفت أبعاده مؤخرا صحيفة "غلاسكو هيرالد" الاسكتلندية منذ بضعة أيام..

لماذا ذلك كذلك؟ لأن التورط في مصر عسكريا، سيجعل من حرب فيتنام نزهة عسكرية مقارنة بما ينتظر القوات التي يمكن الدفع بها إلى الميدان. فعلى الأرض في فيتنام كان هناك من يحارب إلى جانب الأميركيين، أما في مصر فهناك عشرة ملايين من الذكور سبق لأكثر من ستة ملايين منهم التدرب على حمل السلاح، سيكونون في مواجهة الأميركيين بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة، عطفا على مواجهة جيش نظامي ترتيبه الرابع عشر على مستوى العالم. يعني للمرء أن يتساءل؛ هل يمكن أن تكون واشنطن جادة بالفعل في لحظة ما تجاه تنفيذ مثل هكذا سيناريو؟

في حديثه إلى موقع "الديمقراطية الآن" بتاريخ 23/3/2007، كشف القائد السابق لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الجنرال الشهير ويسلي كلارك، عن خطة لوزارة الدفاع الأميركية للسيطرة على سبع دول خلال خمس سنوات تبدأ من عام 2002، وتشمل العراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال، وتنتهي بإيران.

في هذا الحوار يقول الجنرال كلارك، إنه فيما كان يقوم بزيارة لوزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوتيز في البنتاغون، بعد عشرة أيام من هجمات 11 سبتمبر 2001، "عرجت على هيئة الأركان المشتركة لإلقاء التحية على زملاء عملوا تحت إمرتي، فوجدت أحد الجنرالات يطلب التحدث معي على انفراد، قائلا بارتباك: لقد اتخذنا القرار بغزو العراق في 20 سبتمبر 2002".. هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ الجواب يكشف أن دولا عربية عدة بات الدور عليها في الغزو، ووقتها لم تكن مصر بينها، لأنها كانت حليفا بامتياز لواشنطن.

يضيف كلارك إنه لاحقا بعد بضعة أسابيع، قام بزيارة الجنرال نفسه فيما كانت القوات الأميركية تقصف أفغانستان، وقد سأله: ما إذا كانت الإدارة عازمة فعلا على مهاجمة العراق؟ فأجاب الجنرال عينه" "لا، بل أسوأ من ذلك، لقد تلقيت للتو من مكتب وزير الدفاع هذه المذكرة التي تصف كيف سنجهز على سبع دول في خمس سنوات"!

مصداقية ما قاله الجنرال كلارك، عززتها لاحقا تصريحات مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA الأسبق "جيمس وولسي"، في المحاضرة التي ألقاها أمام اتحاد طلاب جامعة أوكسفورد، حيث قال: "إن العراق يمثل بالنسبة لنا الهدف التكتيكي، والمملكة العربية السعودية هي الهدف الاستراتيجي، أما مصر فهي الجائزة الكبرى"، مضيفا "علينا بالصداميين وتاليا المباركيين".

ورغم أن السفارة الأميركية في القاهرة، نفت في بيان لها بشكل قاطع صحة تلك الرواية بشأن وجود قوات أميركية تستعد لـ"غزو مصر" بحرا، ووصفها للقصة بأنها "مزاعم كاذبة"، فإن النوايا الأميركية ربما تجلت من قبل. فقد كشف الفريق مهاب مميش، رئيس قناة السويس وقائد القوات البحرية المصرية السابق، أن سفنا حربية أميركية حاولت دخول قناة السويس أثناء ثورة 25 يناير 2011 "لكننا رفضنا ذلك".

هل فكرة غزو مصر عسكريا من قبل الولايات المتحدة لها صلة بعالم الواقع؟ ما يجري في أروقة الإدارة الأميركية حاليا، يعكس أن الطرح ذاته غير عقلاني، فواشنطن غير قادرة على الاقتراب من حفنة دولارات مساعدات وتعيد نقاشاتها حول الأمر عشرات المرات، فكيف لها بقرار شمشوني من هذا النوع؟

لماذا إذن هذه التسريبات؟ ربما تقصد واشنطن إصابة القاهرة بأكبر قدر ممكن من التشتيت الذهني الاستراتيجي، وإضعاف روحها داخلها دون قتال حقيقي، وفي هذا فإن إدارة أوباما تسعى فعلا وقولا إلى قطع شعرة معاوية، التي تصلها بمصر والمصريين.

 

Email