قراءة في المشهد المصري الراهن

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يمكن الحكم على المشهد المصري الراهن، إلا من خلال تأملات حقيقية لطبيعة الممارسات اليومية العنيفة والمتطرفة. فالواقع المصري لا يمكن تحليله وتقييمه من خلال وسائل الإعلام المتحزبة بشكل شبه كامل، أو من خلال الانطباعات العابرة والسطحية. ويمكن القول في ضوء القراءة المتأنية والمعايشة للواقع المصري الراهن، بوجود عدة نقاط أساسية تساعد على تشكيل الصورة الفعلية والحقيقية لهذا الواقع. وتشمل هذه النقاط:

1- توصيف الصراع الدائر في مصر الآن، على أنه صراع بين الإخوان المسلمين ومن يشايعهم من جماعات الإسلام السياسي من ناحية، وبين الشعب المصري من ناحية أخرى. فتصوير الصراع على أنه بين طرفين متكافئين، تصوير خاطئ لا يمت بصلة لحقيقة ما يجري الآن في مصر. وحديث الإخوان عن مناصرة أطراف عديدة من المجتمع المصري لهم، حديث كاذب لا يعبر عن طبائع الأمور وحقيقة الصراع.

2- في ضوء ذلك، يبدو الجيش والشرطة وكافة مؤسسات الدولة الأخرى، في صف الشعب ضد جماعة الإخوان ومن يناصرها. فالجماعة أصبحت في مأزق حقيقي، ربما لم تواجهه عبر تاريخها الطويل. فالشعب المصري ينظر للجماعة الآن بوصفها جماعة إرهابية تخريبية، ليس لها من هدف سوى تدمير مصر.

ومن خلال محاولة الإخوان تدويل ما يحدث في مصر، نجحت الجماعة في إلصاق تهمة التخابر والخيانة بها وبالموالين لها. فلم يقف اتهام المصريين للإخوان عند كونهم كاذبين، ولكن تعداه إلى اتهامهم بالخيانة والعمالة.

3- لهذا، تفقد الجماعة ومن يواليها ذلك التعاطف الشعبي الذي تمتعت به حتى فترات قريبة، لصالح الجيش على وجه الخصوص؛ فهناك تقدير جارف من جانب الأفراد العاديين للجيش المصري، وبشكل خاص الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ويلي ذلك تقدير متزايد لأفراد الشرطة، وبشكل خاص بعد ارتفاع أعداد الضحايا بين صفوفهم. وربما ساعد على ذلك أمران، أولهما الدور الهام الذي يقوم به الجيش في حفظ الأمن وحماية المصريين ضد إرهاب الجماعة وعنفها.

والأمر الثاني يتعلق بذلك الغباء اللامتناهي لقيادات هذه الجماعة، وإصرارهم على مواجهة الشعب المصري وتدمير أواصر الدولة المصرية. 4- تراجع هذا الدعم الشعبي للجماعة وصل لمستويات بالغة، إلى الحد الذي لا يتعاطف فيه المصريون مع تساقط ضحايا العنف بين أفراد جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي؛ فلسان حال المصريين ينطق دائما بالكلمات "أحسن" أو "في داهية" أو "خللي الجيش والشرطة يخلصونا منهم".

5- هذا الغضب المتزايد بين المصريين العاديين تجاه أفراد الجماعة ومن يشايعهم، وصل لمستويات غير مسبوقة لم تعتدها الشخصية المصرية من قبل. فقد أصبح أصحاب اللحى والمنتقبات عنواناً للتطرف وأهدافاً لغضب المصريين، وبديلاً عن الصورة النمطية للإخوان بوصفهم مدافعين عن الإسلام، أصبح المصريون ينظرون إليهم بوصفهم أعداء لمصر ومن ثم للإسلام الوسطي المتسامح.

واللافت للنظر هنا أن المصريين لم تعد تهمهم تلك الشعارات الجوفاء التي يتشدق بها الإخوان، مثل "إسلامية إسلامية" ومثل "الإسلام هو الحل"، ناهيك عن تلك الشعارات التي يحاولون من خلالها إثبات وطنيتهم، والتي تتعلق بمواجهة الغرب والمسيحية. 6- ترتبط بما سبق مسألة على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة في الوقت نفسه، تتعلق بعدم انصياع المصريين الآن لرجال الدين من المنتمين للجماعة.

وربما عدم تقديرهم واحترامهم لهم، ففي ظل عنف الإخوان وخطابهم المتمسح بالدين، افتقد رجال الدين تلك المهابة والقيمة التي تمتعوا بها عبر التاريخ المصري الطويل، في ظل هيمنة التدين على عموم أفراد الشعب المصري.

7- ارتباطا بما سبق، خلفت مشاهد العنف والقتل اليوميين شرخا كبيرا في الشخصية المصرية، أدى إلى غلبة الطابع الدموي على الحشود وتنامي رغبة القتل والتدمير بينهم. ولا يقف الأمر فقط على الإخوان ومن يشايعهم، لكنه تعدى ذلك للمواطنين المصريين العاديين الذين يواجهون الإخوان عنفا بعنف وقتلا بقتل.

وهو أمر سوف تظل مخاطره وأبعاده السلبية لسنوات بعيدة، بما يحتاج معه لمعالجات أمنية ونفسية واجتماعية. 8- لعب الإعلام المصري على كافة توجهاته، دورا هائلا في خلق ثقافة الحشد والاصطفاف بين المصريين، وهي حالة ساهم فيها بعض القنوات الفضائية العربية بدور كبير، من خلال ما تبثه من اختلاقات وأخبار كاذبة وأحداث مثيرة.

9- أخيرا، كشف المشهد المصري الحالي عن بروز نوع رخو من المثقفين الذين لا يقرأون الواقع على حقيقته، ويغلبون التنظير ودعاوى حقوق الإنسان على مصالح الوطن العليا.. هؤلاء يهربون حينما نحتاج إليهم، ويتحفوننا بالمقالات الهزيلة المثبطة للعزائم حينما ينشد الوطن رجال الفعل، وليس رجال القول فقط!

 

Email