الخاسرون في الحالة المصرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ ثورة 25 يناير ومصر تعيش حالة من التقلبات السياسية، وصلت إلى ذروتها مؤخراً بتحرك قوات الأمن لفض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، في مشهد عبرت به السلطة الجديدة الحاكمة في مصر عن رغبتها الفعلية في تجاوز الوضع القائم، لتهيئة الظروف نحو مرحلة سياسية جديدة وفقاً لما سُمي بخارطة الطريق.

فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، قوبل بوجهات نظر متفاوتة بين أولئك الذين ينظرون إلى التحرك على أنه ضرورة لفرض هيبة الدولة، وبين من يرى أنه مثل انتهاكاً لحق الإنسان في التظاهر وإبداء رأيه السياسي. وفي خضم هذه المعادلة يبرز تقييمنا لتحديد أبرز الخاسرين من تطورات الحالة المصرية الأخيرة، لا سيما مع فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية.

أبرز الخاسرين بالطبع، ومن دون أدنى منازع، هو جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي عولت كثيراً على أن حراكها السياسي ولغتها المتشددة في رفض الحوار ستؤدي لعودتها إلى سدة الحكم. لكن ذلك لم يحدث، الأمر الذي جعل الشعب المصري والدولة المصرية بمؤسساتها السياسية المختلفة، تقف رافضة لما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين.

لقد كانت أمام الجماعة فرصة تاريخية لأن تعترف بأخطائها بشكل سياسي، وتدخل معترك اللعبة السياسية المصرية من جديد، وبروح جديدة لا تفقدها المصداقية لدى الشارع المصري، ولا تفقد من خلالها أدوات القوة التي كانت تمتلكها للتأثير على الشارع المصري، إلا أن تعنت قياداتها ورفضها لعب السياسة من منطق المساومة، أوصلها اليوم إلى طريق شبه مسدود سُيلقي بالطبع بظلاله على مستقبل هذه الجماعة التي وضعت مصلحتها فوق مصلحة مصر.

فبدل أن تكون طرفاً رئيسياً في مستقبل مصر السياسي، سينظر إليها اليوم على أنها طرف معيق لتطور مصر، وأنه ليس لها مكان في المشهد السياسي المصري، بل إن قيادتها أصبحت اليوم وبسبب غبائها السياسي، إما في السجون وإما مطاردة من قبل جهات الأمن المصرية.. فيا لها من خسارة لجماعة الإخوان التي اعتقدت أنها ملكت مصر وما فيها.

ثاني الخاسرين هو الأطراف الدولية التي وقفت مع إخوان مصر وشجعتهم باعتبارهم جزءاً أصيلا من التنظيم الدولي، كما هو الحال مع حركة حماس في فلسطين، وحكومة طيب أردوغان في تركيا، وحركة النهضة في تونس، وإخوان سوريا والأردن والمغرب والخليج، بالإضافة إلى أولئك الذين تعاطفوا مع الإخوان لمصلحة سياسية كما هو الحال مع قطر.

جميع تلك الأطراف خرجت خاسرة مما حدث مؤخراً في مصر، حيث كانت جميعها تعول على نصر ونجاح الإخوان في مصر لفرض مشروعها في المنطقة. لذلك لم يكن مستغرباً على الإطلاق أن تظهر أولى وأقوى رسائل التنديد بالتحرك المصري ضد اعتصام الإخوان المسلمين في النهضة ورابعة العدوية، من مثل تلك الجهات، لأنها تعلم أنه بذهاب إخوان مصر تكون قد فقدت فرصة ثمينة للسيطرة على أكبر بلد عربي.

وبالتالي ضياع فرصتها في استثمار ذلك الوضع لصالحها. بل إن بعضها بدأ يفقد هو ذاته مصداقيته لدى الشارع في بلده بسبب التأثر بالحالة المصرية، ولعلها مسألة وقت قبل أن يصبح مثل هؤلاء منبوذين في بلادهم كما أصبح إخوان مصر منبوذين في أم الدنيا، إذا ما استمروا في تعنتهم ورفضهم التعلم مما حدث في مصر.

ثالث الخاسرين، وإن كانوا بدرجة أقل من "الإخوان" وتنظيمهم العالمي، هم أولئك الذين يرفعون شعار الإسلام السياسي، من أحزاب وجماعات وقفت مع الإخوان ودعمتهم خلال نحو الثمانية والأربعين يوماً التي اعتصم فيها الإخوان في النهضة ورابعة العدوية، محتجين على إرادة الشعب المصري الذي لم يستسغ استمرار الرئيس المخلوع محمد مرسي في الحكم. لم يحمل بعض من هؤلاء راية الدعم السياسي والأخلاقي للإخوان وحسب، بل رفعوا راية الحرابة في مواجهة الشعب المصري، باسم الجهاد ضد الكافرين.

ولم يكتفِ هؤلاء بقتل الجنود المصريين في شبه جزيرة سيناء التي أرادوا تحويلها إلى بؤرة تجمع لهم، بل قتلوا رجال الأمن ببرودة دم أثناء عمليات فض اعتصامي النهضة ورابعة، واعتدوا على مخافر الشرطة وعلى الكنائس باسم الثأر لفقدان مشروعهم في مصر. ولعل المرحلة المقبلة قد تحمل في طياتها توجها لدى المصريين لرفض حركات الإسلام السياسي، وقد يتمثل ذلك في منع دخول الانتخابات على أساس ديني.

إن إخوان مصر وتنظيمهم العالمي والداعمين لهم من جهات دولية وحركات إسلامية، أصبحت اليوم هي أكبر الخاسرين من الحالة المصرية. مصر ما بعد الرابع عشر من أغسطس لن تكون كمصر ما قبل ذلك اليوم، حيث إنه لن يكون للإخوان المسلمين ولا التنظيم العالمي ولا الجهات الداعمة لهم، مكانة في المشهد السياسي المصري خلال المرحلة المقبلة..

وحتى لو كانت هناك محاولات للحوار وجذب الإخوان إلى المشهد السياسي الجديد في مصر، إلا أن قوتهم ستظل محدودة للغاية لأنهم فقدوا نسبة كبيرة من مصداقيتهم أمام الشارع المصري، وفقدوا أدواتهم التي تؤهلهم للمناورة داخل المجتمع المصري.

 

Email