العلاقة الآثمة بين "الإخوان" والإمبريالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساعدنا وصول الإخوان المسلمين لسدة الحكم في مصر، بشكل مباشر وغير مباشر، على كشف الجوانب والقيم الأخلاقية التي تنطوي عليها تلك الجماعة قادة وأعضاء. ويمكن تعميم تلك الأخلاقيات على كافة المنتمين لتيار الإسلام السياسي، الذين أظهروا قدرا كبيرا من المكيافيلية في التعامل مع الممارسات السياسية المختلفة.

وبشكل خاص ما يتعلق منها بالتعامل مع القوى السياسية المصرية، إضافة إلى التعامل مع القوى العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، مع ما يرتبط بذلك من استغلالهم وفقا للظروف والأوضاع وطبيعة المصالح العميقة لهذه الجماعة وغيرها من فصائل الإسلام السياسية الأخرى.

فالذين وجدوا أنفسهم مطالبين بالاختيار بين مرشحي الرئاسة السابقين أحمد شفيق ومحمد مرسي، أصابتهم الحيرة بين اختيار مرشح محسوب على نظام حسني مبارك وآخر محسوب على جماعة اتسمت بالعمل السري وخدمة مصالحها الضيقة جدا. ورغم ذلك، فقد آثر الكثيرون اختيار المرشح الإسلامي، متوسمين خيرا فيمن يرتبط بالقيم الدينية ويرددها ليل نهار ويدعي العمل بها. ألم يكن شعار "الإسلام هو الحل" شعارا مدغدغا لمشاعر الملايين من المصريين البسطاء الغلابة، الساعين نحو آخرة مشرفة بين يدي رب العالمين؟

ألم تكن تلك الشعارات الغوغائية التي تهاجم التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، مثل "إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية"، شعارات تستقطب الكثيرين من الساعين للحفاظ على الهوية الإسلامية، رغم أنهم لا يفقهون شيئا عما تعنيه كلمة العلمانية وغيرها من التوصيفات الأخرى مثل اليسارية والشيوعية والليبرالية، إلا تلك التفسيرات العقيمة للمشايخ المنتمين للجماعة الذين لا يستوعبون فكرا ولا يفقهون دينا؟! لم يتسم الإخوان وموالوهم منذ اندلاع ثورة 25 يناير، بأي قدر من القيم الأخلاقية السياسية التي تساعد على خلق مساحة ما من الثقة بينهم وبين القوى السياسية الأخرى.

فبمرور الوقت، وبعد وصول مرسي لسدة الحكم، اتضح الكثير من سمات هذه الجماعة السياسية، كما بدأ المصريون يشعرون بأن الجماعة ذاتها والمنتمين لها، لم تكن في حقيقة الأمر سوى الطرف الثالث الذي دوخنا وأعيانا من أجل تحديد ماهيته والتعرف عليه وعلى الكوارث التي ألحقها بمصر والمصريين.

بدأ المصريون يتعرفون على هروب مرسي ورفقائه من السجون، وبدأوا يسمعون عن علاقة الجماعة غير المبررة بحماس، وبدأوا يدركون أن الإخوان هم من خططوا ونفذوا موقعة الجمل، وبدأوا يستشعرون أن أيديهم ملطخة بدماء الشهداء في محمد محمود وماسبيرو وغيرهما من ميادين مصر الأخرى، بل وبدأ المصريون يدركون أيضا من أطلق شعار "يسقط حكم العسكر".

ومن كان يهدف من وراء ذلك لتفكيك وهدم الروابط القوية بين المصريين وجيشهم العظيم. لم تكن تلك الجوانب واضحة مثلما عليه الحال الآن، وبشكل خاص بعد اتهام مرسي بالهروب من السجن وتعاونه المثير للاشمئزاز مع حماس وفصائلها المسلحة المختلفة.

كما لم يكن الأمر بذلك الوضوح الراهن والشاهد على تلون قيم الإخوان السياسية، إلا بعد سقوط مرسي بعد ثورة 30/6، والبدء في كشف سجلات الجماعة وممارساتها السياسية الانتهازية، ساعدت على ذلك تلك البجاحة والصفاقة العلنية التي مارستها الجماعة منذ سقوط مرسي وحتى الآن، في ما يتعلق بمستقبل مصر والرغبة في استدعاء الغرب ودعوته للتدخل المباشر في شؤونها.

ظهرت تلك الدعوات واضحة من على منصة رابعة، في اتهام الجيش المصري بالانقلاب، والدعوة لتدخل قوات دولية من أجل استرداد ما يدعونه "الشرعية". ولم يهتم هؤلاء المشايخ وغيرهم من قادة الجماعة، بما يمكن أن يحيق بمصر وبشعبها جراء تلك الدعوات الهستيرية، التي لا تلقي بالا للمصالح العليا للوطن وسلم المصريين.

واللافت للنظر الآن أن الإخوان الذين يهاجمون وزير الخارجية الأميركي وإدارته بعد تصريحاته الأخيرة، التي أكد فيها على أن ما حدث في مصر لم يكن انقلابا بقدر ما كان محاولة واعية من الجيش المصري متوافقة مع الملايين من المصريين الذين خرجوا تأييدا له من أجل استرداد مصر ودعم ديمقراطيتها الوليدة، والأهم من كل ذلك إنقاذها من حرب أهلية محتملة، هم من صفقوا لأميركا بعد ثورة 30 يونيو، وباتوا على أعتاب البيت الأبيض، ودعوها للتدخل المباشر في مصر.

ورغم أن الإخوان لا مبدأ لهم ولا خلاق، فإنهم لا يعون أن الغرب صاحب التاريخ الإمبريالي الطويل لا يهمه سوى مصالحه، كما أنه لا يفضل سوى التعامل مع تحولات القوة ومساراتها الجديدة. فما لا يفهمه الإخوان، رغم تظاهراتهم واعتصاماتهم المختلفة في ميادين مصر، هو أنهم أصبحوا قوة منبوذة من قبل المصريين.

كما أنهم أصبحوا أيضا عبئا على الإمبريالية العالمية، التي أيقنت أنه من الصعب الدخول في عداء مباشر مع الجيش المصري المدعوم شعبيا، كما أدركت بجلاء وطنية الجيش المصري مقابل عمالة الإخوان، التي يمكن أن تنقلب على الغرب مثلما انقلبت على المصريين شعبا وجيشا وإرادة!

 

Email