أميركا كوني مصدر وحي لنا لا سيدة علينا (2-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

بما أنني صديق للولايات المتحدة، لطالما دُعيت للخطابة في جامعاتها من أجل ردم الهوّة بين العرب والأميركيين.

وأنا أعمل على تعريف الطلاب إلى أنظمة الحكم العريقة في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي لا تعتمد على صناديق الاقتراع بل هي موجَّهة نحو السهر على رفاه المواطنين الذين ينعمون بالرعاية الكاملة من خلال تأمين المسكن لهم فضلاً عن العلاج الطبي المجاني، ومستلزمات التعليم العالي في الداخل والخارج.

حتى إن حكوماتنا تغطّي تكاليف الزفاف للأشخاص ذوي الدخل المنخفض. لا وجود للمتسوّلين في شوارعنا. أقول لأولئك الطلاب إن أنظمتنا أبعد من حدود الديمقراطية لأن قادتنا يفون بالوعود التي يقطعونها.

ولذلك أعتبر نفسي في موقع يؤهّلني إسداء النصح إلى الرئيس أوباما.

سيدي الرئيس، بما أن أيام الحملات الانتخابية قد ولّت بالنسبة إليك، لماذا لا تستخدم سنواتك الأخيرة في الرئاسة لتترك وراءك إرثاً مشرّفاً؟ تخلّص من تلك الملعقة الخشبية التي تحرّك من خلالها العداوات في منطقتنا المضطربة، وكرّس وقتك بدلاً من ذلك لتحسين حياة شعبك.

ودع منطقتنا تحلّ مشكلاتها بنفسها، وصدّقني سننجح في ذلك إذا تُرِكنا وشأننا. إذا لم تتدخّلوا في شؤوننا، سيتبدّد العداء للولايات المتحدة، وسوف تنشأ روابط من الند إلى الند بين الشباب العرب والأميركيين في أجواء من الاحترام المتبادل.

أولاً سيدي الرئيس، أرجوكم أن تسمحوا لمصر وشعبها باختيار قادتهم بأنفسهم.

ثانياً، إذا كنت متمسّكاً فعلاً بحقوق الإنسان، كيف يمكنك أن تتحمّل قتل الأسد للأبرياء في سوريا، بمؤازرة الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي "حزب الله" والشيعة العراقيين من دون وضع خطة للتدخّل؟ تتدخّل في الشؤون المصرية، لكنك تشيح بنظرك عن سوريا حيث لقي نحو مئة ألف شخص مصرعهم.

ندرك أنك خطّطت مع نظرائك مشروعاً للشرق الأوسط، لكن بصراحة سئمنا من أن نكون ألعوبة في يد بلد يبعد عنّا آلاف الأميال ويعاملنا وكأننا قاصرون من دون أن يكون لنا رأيٌ في رسم مستقبلنا.

ما فعلته أنت وأسلافك بالعالم العربي، ولا سيما بالسنّة، يلطّخ تاريخ بلادكم.

لقد ارتكبت أميركا فعلاً شنيعاً جداً بدعم آية الله الخميني ليحل مكان الشاه، صديقها المفضّل السابق. وكان استخدام بوش لذرائع خاطئة بهدف اجتياح العراق متهوّراً وعديم الضمير.

تحوّل هذا البلد العربي الذي كان عظيماً في السابق، لا بل كان مهداً للحضارة، أرضاً جهنّمية، ومركز استقطاب للإرهابيين حيث يُقتَل الأشخاص بسبب معتقداتهم الدينية.

تتحمّل الولايات المتحدة مسؤولية تأجيج العداوات السنّية-الشيعية التي لم تكن موجودة في ظل النظام العراقي السابق. وجاء تقسيم العراق وتقديمه على طبق من فضة للأئمة في قم ليزيد الطين بلة.

ينبح القادة الأميركيون في وجه إيران منذ سنوات بسبب برنامجها لتخصيب اليورانيوم، لكنهم ليسوا مستعدّين للتصدي لها. لن أستغرق في الكلام عن نظريات المؤامرة، بل أفضّل أن أترك لقرّائي أن يتوصّلوا إلى الخلاصات بأنفسهم. لكنك تعرف الحقيقة سيدي الرئيس.

ما زلت أتذكّر خطابك المؤثّر في القاهرة عندما مددت يدك إلى العالم العربي؛ إلا أنك لم تفِ حتى الآن بهذا الوعد الذي قطعته.

إذا كان ذلك الخطاب صادقاً، وليس مجرّد كلام، فعليك أن تتحرّك على الفور لدعم المعارضة السورية والإلقاء بثقلك خلف الحكومة المصرية المؤقّتة التي تبذل قصارى جهدها لإنقاذ شعبها من براثن الفقر وعدم الأمان.

فكّر في الإرث الذي تريد أن تتركه وراءك. ولا تفوّت الفرص الفريدة المتاحة أمامك لإحداث فارق، كي لا يبقى هناك جدار من المشاعر المؤلمة والأحكام الخاطئة يفصل بين أولادنا وأحفادنا. أثبِت أنك جدير فعلاً بجائزة نوبل للسلام، واعمل على كسب إعجاب شعبك وشعوبنا على السواء.

اجعل نور أميركا، نور الحق والعدالة، يشعّ بقوّة.

حفظ الله أميركا. وحفظ الله عالمنا العربي المضطرب.

Email