الصحافة الأميركية باعت روحها للشيطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في القصة القديمة عن الدكتور فاوست، يقوم هذا العالم الشاب ببيع روحه إلى الشيطان في مقابل وعود بالحصول على كل ما يريد تقريبا.

ولقد حذت وسائل الإعلام الأميركية حذوه إلى حد بعيد في علاقتها مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ففي مقابل تمكين ليبرالي، تخلت الصحافة عن علاقة الخصومة المتوارثة مع الرئيس. والآن بعد خمس سنوات من التمتع بأجندة تقدمية مشتركة، حان وقت الحساب على تلك النشوة، وتتباكى وسائل الإعلام في أميركا اليوم أنها فقدت روحها.

وفقدان الاستقلالية بدا كتضحية بسيطة في البداية. في عام 2008، كان كريس ماثيو من الشبكة الإخبارية «إم إس إن بي سي» منتشيا بخطاب أوباما حيث قال: «شعرت بالقشعريرة تتصاعد في ساقي». وقبل ذلك، كان كاتب العمود الصحافي في نيويورك تايمز ديفيد بروكس، قد ركز على ساق أوباما قائلا: «كنت انظر إلى ساقه وإلى سرواله المجعد تماما، وأحدث نفسي، سيكون هذا الرئيس، وسيكون رئيسا جيدا جدا».

وبالنسبة إلى المحرر في مجلة «نيوزويك» السابق إيفان ثوماس، كان أوباما يتصف بصفات إلهية: «أوباما يقف فوق البلاد وفوق العالم، انه نوع من الآلهة». أما الناقد التلفزيوني والمؤرخ الرئاسي مايكل بتشلوس، فوضع الرئيس المنتخب حديثا باراك أوباما في مرتبة «أذكى رجل يصبح رئيسا في أي وقت من الأوقات».

وبدت عبادة البطل استحواذيه بالنسبة إلى صحافة كانت قد كشفت عن فضيحة ووترغيت، وإيران كونترا، وقضية مونيكا لوينسكي، ومزقت أربا جورج بوش الابن، على كل شيء بدءا من الحرب العراقية إلى إعصار كاترينا. والمراسل الصحافي الليبرالي الراحل مايكل هاستينغز لخص جلسة نموذجية خاصة بين الرئيس أوباما والصحافة خلال حملته الرئاسية عام 2012 حيث قال: «الجميع وأشمل نفسي، اصبنا بالإغماء. اصبنا بالإغماء! مذهولون كليا. ولقد فقد اثنان أو ثلاثة رشدهم. وكنا جميعا على درجة ما، مهووسين بشدة بأوباما، متيمين به تماما».

وفي بعض الأحيان، كانت وسائل الإعلام وأوباما عائلة كبيرة سعيدة بالمعنى الحرفي للكلمة. فأنسباء رئيسي القناتين «إيه بي سي نيوز» و «سي بي سي نيوز» يتبوأون مناصب رفيعة في إدارة أوباما، وزوجة الناطق الرسمي في البيت الأبيض هي مراسلة صحافية لبرنامج «صباح الخير أميركا» في قناة «إيه بي سي».

وكان 400 مراسل صحافي قد شكلوا دردشة جماعية مشتركة سرية على البريد الإلكتروني، تدعى «جورنو ليست»، لوضع استراتيجية لشن هجمات على الخصوم السياسيين لأوباما. و»أتاك واتش0كوم» ( التي دفعت لها «أوباما فور أميركا») تدل على ما يشبه عملية خاصة بالشرطة السرية، حيث تطلب من القراء الإبلاغ عن أي انتقادات موجهة لأوباما، فيما تعمل على جمع «ملفات أتاك» ببيانات ملونة بالأسود والأحمر المتوهجين.

كما لو أن انتكاسات أوباما في الواقع كانت أحداثا غير مألوفة سرعان ما ستعود إلى وضعها. وفي احدى السجالات الرئاسية عام 2012، فان المحاورة كاندي كراولي من «سي إن إن» كانت شديدة السخط لأن أوباما بدا بحاجة لمساعدة، حيث قفزت لتحدي المرشح ميت رومني.

ولقد افترض أوباما عن حق أن الصحافة سوف تتجاهل بدرجة كبيرة فضيحة بنغازي عند ظهورها في الحملة الرئاسية عام 2012. وبشكل مماثل، أدرك أن تسيس مصلحة الضرائب لن يستدعي عناوين الأخبار.

ثم حصل أمر شبيه بما حصل مع «فاوست». فقد كشف هذه السنة عن أن إدارة أوباما راقبت الاتصالات الخاصة بمراسلي «أسوشييتد برس» بناء على شكوك في أنها تعمل على نشر تسريبات. وللمرة الأولى، اثيرت مشاعر الغضب: الرؤساء الليبراليون لم يكن من المفترض بهم، على نمط نيكسون، ملاحقة المراسلين الليبراليين.

وإدارة أوباما لم تعارض تسريب مراسلي «أسوشييتد برس» معلومات سرية بصفتها كذلك. فقد قامت بتسريب اكثر التفاصيل الحميمية عن الحرب السيبرانية ضد ايران، وبرتوكولات الطائرات الموجهة عن بعد، والغارة على بن لادن، لملاطفة مراسلين من أمثال ديفيد سانجر من «نيويورك تايمز» وديفيد اغناتيوس من «واشنطن بوست». وما كشف عنه كلاهما «بشكل حصري» في سنة الانتخابات صور أوباما في العادة كرئيس أركان قوي لا يقدر حق قدره.

وكان الجرم في المقابل أن «الأسوشييتد برس» كانت تراسل بشكل مستقل، وكان بإمكانها نشر تسريبات لم تكن متزلفة على الدوام. منذ فترة طويلة، وسائل الإعلام أبرمت اتفاقا على نسق قصة فاوست، وكان طبيعيا أن تفترض إدارة أوباما أن لديها الحق في مراقبة ما قامت بشرائه.

وفي نسخة من تلك الحكاية، حصل الدكتور فاوست على ما يريده مجانا على مدى 24 عاما على الأقل قبل أن يساق إلى جهنم، أما وسائل الإعلام لدينا، فلم تحصل حتى على خمس سنوات من التزلف قبل أن يطالب أوباما بأرواحها.

Email