مصر والدور الخليجي المطلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد خرج الشعب المصري العظيم عن بكرة أبيه في الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ ليقول لا لحاكم سيطر على مفاصل الدولة لثلاثين سنة، وفي الثلاثين من يونيو المنصرم خرج الشعب المصري مرة ثانية ليقول لا، ولكن هذه المرة لحكم الهيمنة التي فرضتها جماعة تتستر بستار الدين على بلد بحجم وعظمة مصر العربية.

كانت النتيجة مبهرة بكل معنى الكلمة، حيث وكما نجح الشعب المصري في إسقاط حكم مبارك، نجح اليوم في إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين بطريقة مذهلة ولكنها مذلة للجماعة.

لقد كان لتعنت جماعة الإخوان المسلمين ـ وعلى رأسهم مرشدها وقيادتها ـ في العمل على إخضاع مصر العظيمة لتوجهها الدور الأبرز في سقوط الإخوان.

عام في الحكم لم يستطع الإخوان أن يحصلوا على تأييد الشعب المصري، بل أنهم فشلوا حتى في المحافظة على تحالفاتهم التي خلقوها مع بعض التيارات الأخرى. فسياسة الإقصاء وفرض الهيمنة على الدولة المصرية كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر الجماعة.

ولعل ما حدث في مصر من إسقاط لحكم الإخوان هو في الواقع بداية لنهاية قوة ونفوذ الإخوان في مصر والعالم العربي. وسبحان الله قبل سقوط مشروع الإخوان في مصر سقط مشروعهم في دولة الإمارات بإعلان الأحكام ضد التنظيم السري الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين والذي كان يستهدف الأمن والسلم السياسي القائم في الدولة.

كانت مصر هي الجائزة الكبرى لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث إن السيطرة عليها تعني ـ من وجهة نظرهم ـ بداية نجاح انطلاق مشروعهم لأخونة العالم العربي، وكانت دولة الإمارات هي هدفهم الثاني، حيث إن نجاح النموذج الإماراتي في تحقيق الأمن والاستقرار والانفتاح والرخاء لمواطنيها والمقيمين على أرضها يمثل تهديداً واضحاً لمشروعهم الذي يحمل لواء أن الإسلام الإخواني هو الحل لحالة التراجع والتردي في العالم العربي. كانت الإمارات هي النموذج الأبرز الذي يستطيع الجميع أن يقولوا بأنه بالفعل نموذج ناجح في المنطقة العربية.

كيف لا واستطلاعات الرأي في العالم العربي تضع النموذج الإماراتي كأفضل نموذج يتطلع الغالبية من شعوب دول العالم العربي إلى الاحتذاء والاقتداء به. ولكن رحمة الله أكبر مما يكنه الإخوان في نفوسهم من حقد للإمارات وأهل الإمارات.

 لقد قال القضاء الإماراتي كلمة الفصل والحق في قضية التنظيم السري في الدولة، وبعدها بساعات قال الشعب المصري العظيم كلمة الفصل والحق في حكم وسيطرة الإخوان المسلمين في مصر العربية.

لم تكن مصلحة مصر في يوم من الأيام هي الهدف الأسمى الذي يسعى الإخوان إلى تحقيقه، بل كان هدفهم هو مصلحة الجماعة، فالولاء لم يكن لمصر بل للجماعة ومرشدها الأعلى؛ لذلك لم يسمع محمد مرسي صوت العقل طوال السنة الماضية بل كانت أذناه مفتوحتين على ما يأتيه من المرشد وقيادة الإخوان فقط، فجاء خطابه الأخير تعيساً بكل معنى الكلمة، حيث كان يحمل في طياته تهديدات مباشرة لأمن مصر وأمن شعبها العظيم.

إنها بداية نهاية الإخوان، هذا هو عنوان المرحلة المقبلة من تاريخ هذه الجماعة.

فقطر التي وقفت ودعمت الإخوان إيماناً منها بأنهم قادرون على لملمة الشعب المصري، بدأت بالتراجع عنهم، ولعل التغيير السياسي الأخير في قطر دليل على توجه قطري جديد يبتعد عن الإخوان المسلمين؛ وسقوط مشروعهم في الإمارات دليل آخر على خسارتهم؛ إلا أن خسارتهم الأعظم جاءت في مصر التي اعتقدوا أنهم ملكوا مفاصلها؛ لقد أصبح تنظيم الإخوان المسلمين من اليوم تنظيماً غير مرغوب به بل إنه سيصبح تنظيماً منبوذاً ومحظورا، وستصبح قياداته مطلوبة من العدالة نتيجة لسياساتها القمعية والعدوانية في حق الشعب المصري وحق مصر وحق الأمة العربية.

مصر ما بعد الثلاثين من يونيو لن تكون كمصر ما قبل ذلك التاريخ. فسيطرة الإخوان وتوغلهم في مؤسسات الدولة بالطريقة التي كانوا يعتبرونها شرعية لن يقوم لها قائمة بعد اليوم.

ومكانة مصر الخارجية التي قزمها الإخوان بسياستهم العدائية للدول العربية لاسيما الخليجية منها كالسعودية والإمارات، وتوجههم لدعم حركة حماس الإخوانية ضد الشعب المصري وضد الشرعية الفلسطينية، لن يكون له قائمة في الوقت الراهن. فمصر ستعود إلى حاضنتها العربية وستصبح عزاً ونصراً لها كما كانت دائماً.

المطلوب منا في دول الخليج العربي أن نساعد مصر كي تتجاوز أزمتها الراهنة بكل ما نملك، حتى تنجح مصر في مشروعها العربي الجديد بعيداً عن الإخوان.

فدعمنا السياسي ودعمنا المالي ودعمنا الأخلاقي لمصر وتوجهها الجديد يجب أن يكون محور عملنا خلال الفترة القادمة، مصر ليست بحاجة لا لصندوق النقد الدولي ولا لأي جهة دولية من شأنها أن تؤثر سلباً أو إيجاباً في تجاوز مصر لمرحلتها الراهنة، علينا في دول الخليج أن نبادر وأن نقدم كل أطياف الدعم وبسخاء كبير لتنجح مصر في مشروعها الجديد الذي يصب في صالحنا نحن في منطقة الخليج.

وعلينا أن نوقف كل أشكال الدعم الذي كان موجوداً في السابق لجماعة الإخوان المسلمين لأن الشعب المصري قال كلمته رافضاً للجماعة، فلا يمكن لأحد أن يدعم من لا يريده الشعب المصري ومن يعمل من تحت الخفاء بشكل مباشر أو غير مباشر لزعزعة أمن مصر وتهديد استقرارها؛ وعلينا في دول الخليج العربي دعم المؤسسة العسكرية المصرية بكل أنواع الدعم لأنها بحق مؤسسة تضع مصلحة مصر والأمة العربية نصب عينيها، فلنكن صفاً واحداً خلف الشعب المصري ومؤسسته العسكرية في وجه كل الصعاب التي يمكن أن تعتري طريق نجاح مصر في المرحلة القادمة.

نجاح مصر من نجاحنا في دول الخليج، واستقرار وأمن مصر من استقرارنا وأمننا، فعلينا أن لا نفرط فيه على الإطلاق، وعلينا أن نعمل بشكل مشترك، فهذا الأمر لا يحتمل منا الفرقة في التعامل معه، فهي فرصة ثمينة جاءت لنا، فعلينا أن لا نضيعها من بين أيدينا كي لا نخسر مصر من جديد كما خسرناها سابقاً للإخوان المسلمين، فنحن لا نتحمل على الإطلاق خسران بلد بحجم مصر.

Email