لعبة الانتخابات في إيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدث انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية في إيران، فرحاً عارماً في الشارع الإيراني، سيما في أوساط الإصلاحيين الذين اعتبروه نصراً على التيار المحافظ، يفتح باباً لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المأزومة، أو الاستجابة لما تطمح إليه الشرائح الواسعة من المجتمع وقواه الحية والمدنية، التي تطالب بممارسة حقها في حرية التعبير والاعتراض والنقد، كما تطالب بتغيير يطال سياسة النظام القابض على المصالح والمصائر.

كذلك أحدث انتخاب روحاني ارتياحاً في العالم، عبر عنه بعض قادة الدول الذين تمنوا أن تسلك إيران، مع الرئيس الجديد، مسلكاً مختلفاً في سياستها الخارجية وفي تعاملها مع المشكلات ذات الطابع الإقليمي والدولي، كما في مسألة البرنامج النووي.

هل نشهد، حقاً، انتصاراً لتيار الاعتدال على تيار التطرف، كما عبر روحاني بعد الإعلان عن فوزه؟ ليس الأمر بهذه البساطة، لأن النظام في إيران ليس نظاماً رئاسياً، كما في فرنسا أو أميركا، حيث الرئيس هو المرجع الأول الذي يقرر سياسة الدولة. هناك سلطة فوق الرئيس يمارسها المرشد، إنها سلطة ولاية الفقيه التي هي أولى من كل شيء، بما في ذلك الفرائض الدينية،.

كما أكد الخميني في خطابٍ عنيف وجهه إلى المرشد الحالي علي خامنئي عندما كان يومئذ رئيساً للجمهورية. ولذا بإمكان المرشد كسر قرارات الرئيس ونقده أو تأنيبه، وتجربة الرئيس الخارج محمود أحمدي نجاد خير شاهد. فكم من مرة أهين رئيس الجمهورية من جانب رجال الدين على مرأى ومسمع من المرشد.

وذلك هو مآل ولاية الفقيه التي ابتلعت الجمهورية، وحولت النظام الديمقراطي إلى واجهة لتلميع صورة النظام في أعين مناصريه. ومن المفارقات أن يسأل الرئيس في إيران ويحاسب، في حين أن المسؤول الأول هو المرشد المهيمن بوصفه صاحب الصلاحية المطلقة.

هل تراجع المرشد الأعلى وغير رأيه أمام موجة الاحتجاجات وجسامة التحديات التي تواجهها إيران في الداخل والخارج، بترك الانتخابات تجري بقدر من الحرية يتيح فوز المرشح المدعوم من الإصلاحيين، ولكن بأقل نسبة ممكنة (50.6%)، أي على الحافة؟ هل نحن إزاء لعبة ماكرة يتقنها المرشد، تقوم على استهلاك الرؤساء وتغييرهم، واحداً بعد الآخر - إصلاحيين كانوا أم محافظين- لامتصاص النقمة وتجديد الولاية؟

أياً يكن، هناك صعوبة يواجهها روحاني في سعيه لإجراء إصلاحات جدية، تحدث تغييراً في علاقات القوة ومنظومة المصالح. فالنظام غير قابل للإصلاح، لأن الشاغل عند القائم بالأمر ليس البناء والإصلاح والتطوير، بل خلق أعداء في الداخل والخارج لمحاربتهم، بذريعة المؤامرة الدائمة التي تستهدف إيران.

وهي التي يبني عليها النظام سياسته، إما لتثبيت السلطة وتشديد القبضة على البلاد والعباد، وإما لتحقيق مشروعه بلعب دور استراتيجي إقليمي أو دولي، في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة الجغرافية والسياسية، وإعادة رسم الخارطة الطائفية والمجتمعية على الساحة العربية.

يعد الأميركي تشومسكي، العالم اللغوي والمفكر اليساري، من أبرز مناهضي سياسة الولايات المتحدة في العالم، ولعله من هذا الباب يدافع عن مواقف حزب الله. وقد أتى قبيل حرب يوليو 2006 إلى بيروت، واجتمع بالأمين العام للحزب لدعمه في مشروعه المقاوم. من هنا يلقى تشومسكي الترحيب والمديح، سواء في أوساط المقاومة، أو في أوساط اليساريين الذين يعتبرونه المرجع والمثال، بالنسبة للمثقف العضوي المدافع عن الحقوق والحريات، على المستوى العالمي.

مؤخراً، زار تشومسكي بيروت، ولكنه لم يجتمع هذه المرة بأي من قادة المقاومة، لأن هدف الزيارة كان نيله الجائزة التي تمنحها الجامعة الأميركية لبعض الشخصيات العالمية المرموقة في المجالات المختلفة. وهذا ما لم يلتفت إليه الكثيرون من مريدي تشومسكي، الذي يُعطى جائزة من جامعة أميركية، في حين هو ليس مجرد معارض، وإنما هو منشق يهاجم بلده أميركا هويةً وثقافة، وسياسة واستراتيجية..

ومع ذلك، فإن تشومسكي هو على عكس مريديه من اللبنانيين والعرب. إنه ليس مجرد مناضل يتماهى مع نظام سياسي أو يدافع عن خط إيديولوجي، وإنما هو مفكر يحلل ويشخص أو يدرس ويقّيم.

وخلال زيارته الأخيرة إلى بيروت أُجري معه حواران، الأول في جريدة "الأخبار" (15/6/2013)، والثاني في جريدة "السفير" (17/6/2013).

أتوقف عند ما جاء في كلامه على النظام السوري. ففي حوار "السفير" يقول تشومسكي ما حرفيته: "إن إسرائيل والولايات المتحدة لا تريدان أن تفوز المعارضة في نهاية المطاف". وهذا القول يزعزع مقولة حزب الله بأن سوريا مستهدفة من إسرائيل وأميركا، لأنها دولة مقاومة وممانعة. وإذا صح أن الولايات المتحدة لا تريد للمعارضة أن تفوز، مخافة سيطرة الجهاديين من جماعة القاعدة والنصرة، فمعنى ذلك أن حزب الله وأميركا يقفان في صف واحد ضد المنظمات التفكيرية التي تقاتل ضد النظام السوري.

ولكن ما جاء في كلام تشومسكي الى جريدة "الأخبار" أكثر صراحة، إذ فيه يقول: إسرائيل والولايات المتحدة لا تعارضان الأسد، لأنه "فعل كل الأشياء التي يريدونها تقريباً". وهذا القول ينسف مقولة حزب الله بأنه يقاتل في سوريا لأنها سند للمقاومة وظهير، فكيف تكون كذلك إذا كان أهل النظام قد فعلوا جلّ ما تريده إسرائيل وأميركا؟

وهكذا فإن تشومسكي المؤيد أو المتعاطف مع المقاومة، ينفي بعقله النقدي ما يؤكده حزب الله. ولكن أنصار المقاومة في لبنان لا يرون ما يقوله تشومسكي، إما من فرط التعصب الأعمى، أو لأن المقاومة قد استهلكت هدفها المعلن، لتسخّر لهدفها الأساسي، الذي لا علاقة له بمقاومة المشروع الأميركي/ الإسرائيلي: أن تكون أداة في خدمة المشروع الإيراني في قتاله إلى جانب النظام السوري.

والحزب ليس متورطاً في ذلك، بل هو لا يمكنه أن يفعل غير ذلك، كما لاحظ تشومسكي، إذ هو وكيل ينفذ استراتيجية الأصيل. ولكن لكل خيار ثمنه، وما اختاره الحزب يعود عليه بالخسران، كما يضر بمصالح الشيعة، فضلاً عن كونه يذكي نار الفتنة التي تعود بالدمار المتبادل على الجميع.

 

Email