العلاقة الإماراتية المصرية إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفى على أحد أن العلاقة الوطيدة التي كانت قائمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية قد خبتت بشكل واضح بعد مجيء الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، وبعد أن بدأت جماعة الإخوان المصريين ترفع صوتها عالياً مانحة نفسها دوراً فاعلاً ليس فقط في داخل مصر بل أيضاً في خارجها. هذه الروح الجديدة التي حملتها جماعة الإخوان المسلمين وتغاضي الحكومة المصرية عن فعل ما يمكن أن يوقف مثل هذا السلوك عند حده هو الذي أدى إلى الفتور في العلاقة القائمة بين الإمارات ومصر.

دولة الإمارات دولة ذات سيادة ترفض سعي أي دولة أو جهة ما كانت للتدخل في شؤونها الداخلية، وهذا حق تتمتع به دولة الإمارات شأنها في ذلك شأن دول العالم بأسرها. فليس من الغريب أن تتوجس الإمارات من مصر عندما يتم التدخل في شؤونها الداخلية من جهات مصرية.

وليس غريباً أن تتخذ الإمارات مواقف للتعبير عن رفضها لتلك التدخلات. لكن عقلانية الإمارات ظلت دائماً تعالج الأمور بشكل هادئ وبعيد عن رفع حدة التوتر؛ إلا أن أطرافاً تمثل أعلى الهرم القيادي في جماعة الإخوان المصريين، مثل نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري عصام العريان، لا تود للأسف الشديد لهذه العلاقة تجاوز مرحلة الفتور والعمل على إعادتها إلى سابق عهدها.

الإمارات لم تفعل شيئاً تستحق من خلاله الهجوم غير المبرر الذي وجهه نائب رئيس حزب الحرية والعدالة للإمارات مؤخراً. فهي وإن كانت تحتجز بضعة من المصريين فإنها تفعل ذلك وفقاً لغطاء شرعي باعتبار أن ذلك حق من حقوقها السيادية، ووفقاً لغطاء قانوني باعتبار أن احتجازهم هو على ذمة قضايا مرفوعة ضدهم.

لذلك لم نسمع حكومة مصر تنتقد الإمارات على ما تفعله، لأنها وبكل بساطة تعلم أن الإمارات تمارس حقها السيادي والقانوني. وكذلك لو كان هناك من تجاوزات قد تمت في حق المحتجزين أليس من الأولى أن تتحرك الحكومة المصرية في هذا الإطار؟! بالطبع نعم، لكن الحكومة المصرية تدرك بان الإمارات لم تقم بأي شيء يمكن أن يُعتبر مخالفاً قانونياً أو إنسانياً ضد المصريين المحتجزين لديها.

وأنها تسير وفقاً للخطوات القانونية في ذلك. كان حرياً على نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه الرئيس المصري أن يتحرى عن الحال القانوني للقضية المرفوعة ضد المصريين الموجودين في الإمارات، وعن الحال الإنساني لهؤلاء المحتجزين عبر مؤسسة الرئاسة في بلده أو وزارة خارجيتها لأنهما أدرى بذلك الحال بشكل كامل وعلى إطلاع بحيثياته.

إن ما قدمته الإمارات وتقدمه لمصر لا يستحق مثل هذه التصريحات اللامسؤولة، التي تسيء ليس فقط لعلاقة الإمارات بمصر بل أيضاً تسيء إلى مصر التي تمر بفترة حرجة، لا يمكن أن تتجاوزها بمثل هؤلاء الأشخاص الذين يحملون أجندةً من شأنها إعادة مصر إلى الوراء وليس الأخذ بها إلى الأمام. هذه المرحلة تحتاج إلى أن ترتفع قيادة مصر الحالية بعقلانيتها إلى أعلى درجاتها، لاسيما في علاقتها بالدول العربية وخاصة دول الخليج العربي التي قدمت لمصر ما لم يقدمه أحد.

إذا كانت نية القيادة المصرية بالفعل صافية ـ كما تقول ـ تجاه دول الخليج فعليها أن تخرج بقوة ووضوح كامل لتعلن رفضها ما جاء على لسان نائب الحزب الذي يمثله رئيس الجمهورية. لا يكفي أن يخرج علينا رئيس الحزب ليقول بأن ما قيل لا يمثل الحزب، بل إن المطلوب أن يخرج رئيس الجمهورية ليعلن تنصله واستنكاره ورفضه الشديد لما قيل على لسان نائب رئيس حزبه.

إن الإمارات دولة ذات سيادة وعلى مصر وقيادة مصر أن تعاملها كذلك، فالمطلوب رسالة واضحة من الرئيس المصري، باعتباره هو الدبلوماسي الأول الممثل لمصر في علاقتها مع الخارج توجه إلى دولة الإمارات بأن حكومة مصر لا يمكن أن ترضى بأن يحاول البعض مهما كان الإساءة للعلاقة بين الدولتين.

وحتى يحدث ذلك فإنه من الطبيعي أن تستمر الإمارات في توجسها من نوايا حكام مصر الجدد. فالقيادة المصرية يمكن ان تكون طرفاً مساعداً في تجاوز مرحلة الفتور أو طرفاً مساعداً في استمرارها وربما تصاعدها وهو ما لا نتمناه على الإطلاق أن يحدث في علاقة البلدين.

وهنا دعوني أذكر إخواننا المصريين بأن الإمارات كانت دائماً مع مصر حتى لو كانت نوايا حكام مصر غير صافية تجاه الأنظمة الحاكمة في دول الخليج. ولعلنا نذكر الدعم الكبير الذي قدمته الإمارات لمصر زمن قيادة الزعيم الكبير جمال عبدالناصر.

حيث جعلت الإمارات كل قدراتها ـ على الرغم من حداثة عهدها ـ على أهبة الاستعداد لنصرة مصر في مواجهتها مع إسرائيل، بل ان الإمارات استدانت أموالاً لدعم القدرات المصرية لحماية أراضيها. وعندما كانت تفعل ذلك لم تضع الإمارات في فكرها ما كان يمثله عبدالناصر من تحد واضح للنظام المحافظ القائم في دول منطقة الخليج العربي.

وهو الذي كان يدعو لإقامة دولة عربية موحدة تذوب فيها جميع الدول العربية. كان هم الإمارات أن تتجاوز مصر أزمتها، وهو ما تحاول فعله الإمارات اليوم، فالإمارات تود لمصر تجاوز فترتها الحالية التي تتسم بالركود الواضح، ولكن للأسف يخرج علينا بين الحين والآخر أشخاص من أمثال نائب رئيس الحزب الحاكم ليعيق تلك المساعي ويحاول تصدير أزماته وإخفاقاته إلينا.

إن علاقة الإمارات بمصر لا تتحمل وجود مثل هؤلاء الأشخاص، فإذا كانت الإمارات تتعقل دائماً وتتبع أسلوب الدبلوماسية الهادئة في التعامل مع هكذا أمور، فعلى الجانب المصري أن يفعل ذات الشيء ليعبر عن حسن نواياه تجاه الإمارات، وإلا حالة الفتور لن تأخذنا إلا لغير صالح البلدين وهذا ما لا نتمناه.

 

Email