أميركا والمحاربون الطبقيون

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال فترته الرئاسية الأولى، للذين انتقدوا مهاجمته أفراد طبقة الـ "1 %" الثرية من الشعب الأميركي، في الوقت الذي كان يتمتع بأرستقراطية منتجع "مارثا فينيارد" وأكثر ملاعب الغولف حصرية في البلاد.

ولم يحدث أن وافق أوباما بين اتهاماته بأن "أصحاب الملايين والمليارات" لم يدفعوا حصتهم العادلة، وبين تمتعه الجلي بامتيازات "أصحاب الطائرات النفاثة"، و"القطط السمان" من المصرفيين، وأولئك الذين يسافرون على حساب الدولة إلى لاس فيغاس.

والآن، يستمر هذا التناقض خلال فترته الرئاسية الثانية. ففي خطاب "حالة الاتحاد" في يناير الماضي، لاحق أوباما مجدداً "القلة"، و"الأشخاص الأكثر ثراء ونفوذاً"، الذين وصفهم بـ "ذوي السعة والواسطات"، وبـ "أصحاب المليارات الذين يعمل لديهم محاسبون رفيعو المستوى".

وبلا أية مشكلات، سافر الرئيس الأميركي بعد ذلك إلى "ويست بالم بيتش"، لكي يمضي عطلة غولف أخرى في أحد أبهظ ملاعب الغولف في البلاد، ويتلقى دروساً من لاعب محترف يتقاضى 1000 دولار في الساعة، لتحسين الرمي الرئاسي!.

أما باقي أفراد الأسرة، فقد سافروا لقضاء عطلة تزلج في مدينة "آسبن" في كولورادو، حيث لا يتقبل أحد فكرة أنه، في مرحلة من المراحل، "جنى ما يكفي من المال". وفي غضون ذلك، وتحت طبقة الستراتوسفير الجوية، ارتفع معدل البطالة إلى 7,9 % في يناير الماضي.

وهو الشهر التاسع والأربعون على التوالي الذي يصل فيه ذلك المعدل إلى 7,8 % أو أكثر. وانكمش الاقتصاد الأميركي في الربع الأخير من عام 2012، وعاد سعر الوقود إلى حوالي 4 دولارات للغالون الواحد، فيما تواصل الحكومة الأميركية اقتراض ما يقرب من 4 مليارات دولار يومياً.

واليوم، يهاجم العديد من النبلاء الليبراليين الأغنياء، ويبذلون، مع ذلك، قصارى جهدهم للتصرف والعيش مثلهم تماماً.

خذ المضارب المالي والملياردير اليساري جورج سوروس، الذي عاد إلى نشرات الأخبار، على سبيل المثال، إذ يستطيع سوروس تمويل عدة مؤسسات فكرية تقدمية تلاحق طبقة الـ "1 %"، لأنه القرصان المالي الأكثر نجاحاً في العصر الحالي، فهو يعرف أنه "الرجل الذي تسبب في إفلاس "بنك أوف إنغلاند""، وأدين بالتداول من الداخل في فرنسا. وراهن أحدث انقلاب مضاربة قامت به شركة عائلة سوروس للاستثمار، على الين الياباني، فجلب ذلك لسوروس 1,2 مليار دولار في غضون ثلاثة أشهر فقط، وهو ربح رأسمالي يكفي لإبقاء "ميديا ماترز" وغيرها من مجموعات الهجوم التقدمية لسنوات مقبلة.

واشترى كريس هيوز، الذي شارك في تأسيس موقع "فيس بوك"، ونظم حملة أوباما الانتخابية، لتوّه مجلة "نيو ريبابليك"، وأعاد تصنيفها على أنها بوق تقدمي غير مستعد لتقديم الاعتذارات.

ومن الغريب أن شركة "فيس بوك" اعترفت لتوها بأنها لم تدفع أية ضرائب دخل فيدرالية أو خاصة في ولاية كاليفورنيا لعام 2012، على الرغم من جنيها أرباحاً بقيمة 1,1 مليار دولار من عملياتها الأميركية وحدها. والأغرب من ذلك، هو أن هذه الشركة سوف تتلقى على الأرجح ضريبة فيدرالية مستردة، بقيمة تقرب من 429 مليون دولار.

وفي ما يبدو، فإن "أصحاب الواسطات" في شركة "فيس بوك" وجدوا عدداً من "المحاسبين رفيعي المستوى"، ليشطبوا خيارات أسهمها باعتبارها نفقة تجارية. وربما يتعين على وزير الخزانة الأميركية جاك ليو، أن يلقي نظرة على تهربات "فيس بوك" الضريبية. ويتعين عليه أن يكون على دراية بالتسلسل الوثائقي للمبالغ المالية الطائلة، نظراً إلى أنه هو نفسه حصل على مكافأة تقرب من مليون دولار من شركة "سيتي غروب"، بعد استلامها أموالاً فيدرالية بقيمة مليارات الدولارات لتغطية خسائرها الهائلة.

وشأن سلفه المتهرب من الضرائب تيموثي غايتنر، فإن ليو يميل لفعل ما كان الرئيس الأميركي يحذر منه. فقد حذر، لو تتذكرون، موظفي وول ستريت من قبول مكافآت، بعد تلقي شركاتهم المفلسة أموالاً اتحادية.

وسخر أوباما أيضاً من الملاذات الضريبية المشبوهة في جزر "كايمان"، ومع ذلك، فقد نسي، في ما يبدو، أن يقول ذلك لليو، الذي استثمر في صندوق مسجل لمبنى جزر "كايمان" الوهمي نفسه، الذي استخدمه أوباما دعامة لحملته لسحق أفراد طبقة الـ "1 %".

ومن أشهر المحاربين الطبقيين في أميركا، عضو الكونغرس السابق جيسي جاكسون الابن من شيكاغو، الذي أدان لسنوات الأثرياء لتحقيقهم مكاسب غير مشروعة. وأقر جاكسون، أخيراً، بتورطه في عمليات احتيال، بعد أن قام هو وزوجته بتحويل 750 ألف دولار من حسابيهما الخاصين بالحملة الانتخابية، لدفع ثمن مجموعة من مظاهر البذخ الخاصة بطبقة الـ "1 %" فاحشة الثراء، بما في ذلك شراء ساعة "رولكس" بقيمة 43 ألف دولار. إن اليساريين الحاليين يحبون الحياة المترفة، بقدر ما يحبها خصومهم المحافظون الذين يتم تشويه صورهم.

ويبدو أن إدانتهم لـ "أصحاب الملايين والمليارات" الأشرار، تخفف شعورهم بالذنب حيال عيشهم المترف في "بالم بيتش" أو "آسبن"، أو عدم دفعهم لأي ضرائب، أو إرسالهم لأرباحهم إلى الخارج، أو ارتدائهم لساعات "رولكس" الثمينة.

لقد نثر النمو الهائل للحكومة الفيدرالية، المبالغ الطائلة في أنحاء نيويورك وواشنطن، إلى درجة أنه حتى التقدميون السباقون إلى الفضائح لا يستطيعون المقاومة. ويوفر خطاب إعادة التوزيع الصاخب، اللقاح الضروري لتحصين اليساريين المتميزين ضد أي نقد - أو شعور بالذنب - بشأن الانغماس في التهرب من دفع الضرائب، أو في المضاربة بمليارات الدولارات، أو في الميول الأرستقراطية.

وقد لاحظ جورج أورويل الشيء نفسه منذ أمد طويل، حين أدانت حيوانات النخبة في رواية "مزرعة الحيوانات" البشر الرجعيين، حتى في ظل سعيها لتقليدهم من خلال السير على قدمين.

 

Email